حديث رجل من ثقيف
مستند احمد
حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا المغيرة، عن شباك، عن عامر، أخبرني فلان الثقفي قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث، فلم يرخص لنا في شيء منهن، سألناه أن يرد إلينا أبا بكرة، وكان مملوكا وأسلم قبلنا، فقال: «لا، هو طليق الله، ثم طليق رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، ثم سألناه أن يرخص لنا في الشتاء، وكانت أرضنا أرضا باردة، يعني في الطهور، فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدباء، فلم يرخص لنا فيه
[ص:61]
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَحرِصونَ أشدَّ الحِرصِ على مُرافَقةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَشتَغِلونَ بما يَنفَعُهم في آخِرَتِهم قبْلَ دُنْياهم
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي مَعقِلُ بنُ أبي مَعقِلٍ الأسَديُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُمَّه رَضيَ اللهُ عنها -اسمُها زَينبُ، كما ورَدَ عندَ الطَّبَرانيِّ- ذهَبَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخبَرَتْه أنَّ زَوجَها أبا مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه كان قد وعَدَها ألَّا يحُجَّ إلَّا وهي معَه، ولكنَّه أخلَفَ وَعْدَه لها، فقرَّرَ أنْ يَحُجَّ على ناقةٍ له، ولا يَأخُذَها معَه، ولَمَّا كانتْ أُمُّ مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنها لا تَتحمَّلُ أنْ تحُجَّ ماشيةً، طلَبَت من زَوجِها أنْ يُعطيَها ثمَرَ نَخلِه لتَبيعَه، وتَستَعينَ به على الحجِّ، فرفَضَ أبو مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُعْطيَها التَّمرَ؛ لأنَّه قُوتُ عِيالِه وطَعامُهم، فطلَبَت منه بَكْرًا، وهو الجَمَلُ الذَّكَرُ الَّذي كان عندَه، فرفَضَ أنْ يُعطيَه لها؛ لأنَّه جَعَله مَوْقوفًا في سَبيلِ اللهِ، ومَقصِدُ أبي مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه الجِهادُ والغَزوُ
فسَأَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان حاضِرًا معَها في شَكْواها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن صحَّةِ ما تَقولُه أُمُّ مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنها، فقال أبو مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه: «صدَقَتْ»، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالوَفاءِ بوَعدِه بأنْ يُعطيَها جمَلَه البَكْرَ؛ لأنَّ النَّفَقةَ في الحَجِّ هي مِن النَّفَقةِ في سَبيلِ اللهِ، والأجرُ فيه بمِثْلِ خُروجِه إلى الجِهادِ، فاستَجابَ أبو مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنه لأمْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأعْطاها الجمَلَ، ثمَّ قالتْ أُمُّ مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنِّي امْرأةٌ قد سَقِمْتُ وكبِرْتُ»، أي: مَرِضْتُ وضَعُفتُ مِن أثَرِ كِبَرِ السِّنِّ، «وأخافُ ألَّا أُدرِكَ الحجَّ حتَّى أموتَ؛ فهلْ شَيءٌ يُجْزئُني مِن الحجِّ؟» ومُرادُها: ما العمَلُ، أوِ العِبادةُ الَّتي إذا عَمِلَتْها تَكونُ كأجْرِ حَجَّةٍ؟ فأخبَرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أداءَ عُمْرةٍ في رَمضانَ تَعدِلُ في أجْرِها وثَوابِها حَجَّةً تامَّةً، واللهُ يؤْتي فَضْلَه مَن يَشاءُ
قيلَ: إنَّ الحجَّ الَّذى ندَبَها إليه كان تَطوُّعًا؛ لإجماعِ الأُمَّةِ أنَّ العُمرةَ لا تُجزئُ مِن حَجَّةِ الفَريضةِ، فأمَرَها بذلك على النَّدْبِ لا على الإيجابِ، وقيلَ: إنَّ هذا حُكمٌ خاصٌّ بأُمِّ مَعقِلٍ رَضيَ اللهُ عنها، حتَّى إنَّها كانتْ تقولُ -كما في رِوايةِ أبي داودَ-: «الحَجُّ حَجَّةٌ، والعُمرةُ عُمرةٌ، وقد قال: هذا لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما أدْري، ألي خاصَّةً؟»
وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضلِ عُمرةِ رَمضانَ
وفيه: بَيانُ فَضْلِ مَن ساعَدَ مُسلِمًا في الخُروجِ للحجِّ، أوِ العُمرةِ