مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 40
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن توبة العنبري، قال: سمعت أبا سوار القاضي، يقول:
عن أبي برزة الأسلمي، قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أفضلُ الخَلقِ، وقدْ خصَّه اللهُ تعالى بخَصائصَ جليلةٍ؛ ومِن ذلك: أنَّ مَن سَبَّه وجَبَ قتْلُه، وليس هذا لأحَدٍ غيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو برْزَةَ رضِيَ اللهُ عنه:
"كنتُ عند أبي بكْرٍ، فتغَيَّظَ"، أي: غضِبَ أبو بكْرٍ،
"على رجُلٍ" لم يذكُرِ اسمَه، قيل: لأنَّه سَبَّ أبا بكْرٍ، وقيل: أغلَظَ القوْلَ له،
"فاشتَدَّ"، أي: الرَّجلُ،
"عليهِ"، أي: على أبي بكْرٍ وسَبَّه، أو اشتَدَّ غضَبُ أبي بكْرٍ على ذلك الرَّجلِ،
"فقلتُ"؛ القائل أبو برْزَةَ: "تأذَنُ لي يا خليفَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أضرِبُ عنُقَه"؛
لكي أقتُلَه، "قال" أبو برْزَةَ: "فأذهبَتْ كلِمَتي" هذه الَّتي قُلتُها له في استِئذانه بالقتْلِ،
"غضَبَه"، أي: أذهبتْ غَضَبَ أبي بكْرٍ،فقام أبو بكْرٍ،
"فدخَلَ" بيْتَه، "فأرسَلَ إليَّ" أحدًا ودعاني إلى بيْتِه،
فقال أبو بكْرٍ: "ما الَّذي قلتَ آنِفًا؟"؛ عند تَغيُّظي وغَضَبي على الرَّجلِ،
"قلتُ" له إنِّي قلْتُ لك: "ائذَن لي أضرِبُ عنُقَه"، أي: عنُقَ الرَّجلِ الَّذي أغضَبَكَ.
قال" أبو بكْرٍ: "أكنتَ فاعلًا لو أمرْتُكَ؟"، أي: هل ستقتُلُه بضرْبِ عنُقِه لو أمرْتُكَ بذلك،
قال أبو برْزَةَ، "قلتُ: نعم"، أي: أنِّي سأفعَلُ ذلك وأقتُلُه،
قال" أبو بكْرٍ: لا واللهِ"، أي: لا يَجوزُ واللهِ،
"ما كانت لبشَرٍ بعْد محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"
أي: هذا من خَصائصِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقط، وأمَّا غيرُه من الخُلفاءِ،
والأُمَراءِ لو تغيَّظوا على أحَدٍ أو سبَّهم أحَدٌ، وأَمَروا بقتْلِه فلا يجوزُ قتْلُه.
وفي الحَديثِ: فضلُ أبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضِيَ اللهُ عنه وحِلْمُه، حيثُ لم يُعزِّرِ الرَّجلَ بالتَّأديبِ ونحوِه
وفيهِ: أنَّ حكْمَ سَبِّ أبي بكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه
أو غيرِه من الصَّحابَةِ ليس كحُكْمِ سَبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.