حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فلا أدري أشيء أنزل أو كان يقوله -: " لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى - أو لابتغى - واديا ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله على من تاب " (1)
المالُ مِن الأشياءِ المُحبَّبةِ إلى القُلوبِ، وله جاذبيَّتُه الَّتي لا تَنْتَهي، وهذا الحديثُ يُوضِّحُ ذلك؛ حيث روى أبو واقدٍ اللَّيثيُّ قال: "كنَّا نأْتي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا نزَلَ عليه، فيُحدِّثُنا، فقال لنا ذاتَ يومٍ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: إنَّا أنزَلْنا المالَ لإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ"، أي: إنَّ اللهَ سُبحانَه أنزَلَ المالَ وأوجَدَهُ، وجعَلَهُ بيْن يدَيْ خلْقِه؛ لِيُقِيموا به شعائرَ الدِّينِ، ويُظْهِروا معالِمَ الشَّرعِ؛ مِن صَلاةٍ، وزكاةٍ، وغيرِهما، لا أنْ يَضَعوا ما رزَقَهُم اللهُ مِن المالِ في غيرِ مَوضِعِه، "ولو كانَ لابنِ آدمَ وادٍ"، أي: مِن المالِ، "لَأحبَّ أنْ يكونَ إليه ثانٍ، ولو كان له واديانِ لَأحبَّ أنْ يكونَ إليهما ثالثٌ"، والوادي: هو كلُّ مُنفَرِجٍ بيْن جِبالٍ أو آكامٍ، "ولا يَملَأُ جوفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرابُ"، يُحتمَلُ أنْ يُرِيدَ بالجوفِ القلْبَ، أو يُرِيدُ بذلك أنَّه لا يَمَلُّ مِن محبَّةِ المالِ؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ بطَبْعِه ميَّالٌ إلى حُبِّ المالِ، وفيه طمَعٌ، ولا يَشبَعُ منه، وليس له حدٌّ يَنْتَهي إليه، إلَّا ما كان مِن مادَّتِه وهو التُّرابُ، "ويَتوبُ اللهُ على مَن تابَ"، أي: يَقبَلُ تَوبةَ الحَريصِ، كَما يَقبَلُها مِن غَيرِهِ.
وهذا الحديثُ مِن المعاني المَنسوخَةٍ لَفْظًا مِن القُرآنِ، ولكنَّ معناهُ صحيحٌ.
في الحديثِ: ما يَدُلُّ على أنَّ الآدَميَّ لا يُشبِعُه كَثرَةُ المالِ، وأنَّهُ لا يَملَأُ بَطنَه إلَّا التُّرابُ.
وفيه: أنَّ الإكثارَ مِن المالِ لا يُقَلِّلُ مِن حِرصِ الآدَميِّ، وَلا يَهضِمُ مِن شَرَهِه.
وفيه: الحَذَرُ مِن الانشِغالِ بِالمالِ والفِتنةِ بِالمالِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِنَ يَنبَغي أنْ يَكونَ أكْبَرَ هَمِّهِ العَمَلُ لِلآخِرةِ، وألَّا تَغُرَّه الدُّنيا وشَهَواتُها.