مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 548
مسند احمد
حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، أنه قال: سألت جابرا، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن» ؟ قال جابر: لم أسمعه، قال جابر: وأخبرني ابن عمرو أنه قد سمعه
المسلِمُ قدْ يَرتكِبُ كَبيرةً مِن الكبائرِ ثمَّ يَتوبُ منها، واللهُ سُبحانه وتعالَى يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا، بما فيها الكبائرُ والعَظائمُ والموبِقاتُ، فلو ارتكَب المسلِمُ مَعصيةً، مهْما بلَغَت، ثمَّ تاب إلى رَبِّه؛ فإنَّ اللهَ تعالَى يَتوبُ عليه، ويَمُنُّ عليه بالغُفرانِ
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المؤمنَ قد تقَعُ منه كَبيرةٌ مِن الكبائرِ، ولكنَّه حالَ إتيانِ هذه الكبيرةِ وارتكابِها لا يتَّصِفُ بصِفةِ الإيمانِ، بلْ إنَّ الإيمانَ يُنزَعُ منه وهو يَرتكِبُ هذه الكبائرَ، فمَن يَزْني لا يَزْني وهو مُتَّصِفٌ بالإيمانِ. أو يُنزَعُ منه نُورُ الإيمانِ، والإيمانُ هو التَّصديقُ بالجَنَّانِ، والإقرارُ باللِّسانِ، والعمَلُ بالجَوارحِ والأركانِ، فإذا زَنى المسلمُ، أو شَرِبَ الخمْرَ، أو سَرَقَ؛ ذَهَبَ نُورُ الإيمانِ وبَقيَ صاحبُه في ظُلمةٍ. ويَصِحُّ أنْ يكونَ المَنفيُّ هو كَمالَ الإيمانِ وليس أصْلَ الإيمانِ، فيَكون المعْنى: لا يَزْني الزَّاني حِين يَزْني وهو مُؤمِنٌ كاملُ الإيمانِ. أو المرادُ مَن فَعَلَ ذلك مُستحِلًّا له فهو غيرُ مُؤمنٍ؛ إذ استحلالُ الحرامِ مِن مُوجِباتِ الكفْرِ. أو كَلامُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بابِ الإنذارِ والتَّحذيرِ مِن زَوالِ الإيمانِ إذا اعتادَ هذه المعاصيَ واستَمرَّ عليها. والسَّرِقةُ: هي أخْذُ المالِ المُحترَمِ على وجْهِ الخُفْيةِ مِن حِرزٍ لا شُبهةَ فيه
ومَن يَنتهِبُ لا يَفعَلُ ذلك وهو مُتَّصِفٌ بالإيمان، والنَّهْبُ والانْتِهابُ هو: أخْذُ المالِ على وجْهِ العَلانيةِ والقهْرِ والغَلَبةِ. وقولُه: «يَرفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبصارَهم» إشارةٌ إلى حالةِ المَنهوبينَ؛ فإنَّهم يَنظُرون إلى مَن يَنهَبُهم، ولا يَقدِرون على دَفْعِه، ولو تَضرَّعوا إليه، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ كِنايةً عن عدَمِ التَّستُّرِ بذلك، فيَكون صِفةً لازمةً للنَّهْبِ، بخِلافِ السَّرِقةِ والاختلاسِ، فإنَّه يكونُ في خُفْيةٍ، والانتهابُ أشدُّ؛ لِما فيه مِن مَزيدِ الجَراءةِ، وعدَمِ المُبالاةِ. وقيل: النُّهبةُ اسمٌ لِما يُؤخَذُ مِن المالِ قبْلَ القِسمةِ والتَّقديرِ، كالسَّرِقةِ مِن الغَنيمةِ قبْلَ قِسمتِها. وعليه يكونُ معْنى: «يرفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبصارَهم» أنَّها كَبيرةُ المِقدارِ، بحيث تَتبَعُها أنظارُ النَّاسِ، ويَتطلَّعون إليها، كنَهْبِ الفُسَّاقِ المالَ العظيمَ في الفِتَنِ
وفي الحديثِ: أنَّ الإيمانَ يَزيدُ بالطَّاعاتِ ويَنقُصُ بالمَعاصي
وفيه: تَعظيمُ أمْرِ الزِّنا، والسَّرقةِ، وشُرْبِ الخمْرِ، وأخْذِ أموالِ النَّاسِ بغَيرِ حقٍّ