مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه585
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أو عن جابر بن عبد الله، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى، فأتاه جبريل، فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل حاسد، وعين الله (1) يشفيك " (2)
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ -وهو الملَكُ الموكَّلُ بالوحْيِ- جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للزِّيارةِ أو للعِيادةِ، فسَألَه: «يا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟» أي: مِن المرَضِ؟ فأجابَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «نَعَمْ»، فقال جِبريلُ: «بِاسْمِ الله» فبدأ بِالتَّسْمِيَةِ في أَوَّلِ الدُّعاء «أَرْقِيكَ» مأخوذٌ مِن الرُّقْيَةِ، أي: أُعوِّذُك، «مِن كلِّ شيءٍ يُؤذِيكَ» فهذا جامع لكل أنواع الأذى صغير أو كبير، «مِن شرِّ كلِّ نَفْسٍ»، أي: خَبِيثَةٍ، «أو عَيْنِ حاسِدٍ» والحَسَدُ: هو أنْ يرَى أحدُهم النِّعمةَ في غَيرِه فيَتَمنَّاها لنَفسِه، ويَتَمنَّى زَوالَها عن صاحِبِها، فاسمُ اللهِ يَقِيكَ ويَحفَظُكَ مِن كلِّ صاحِبِ عَيْنٍ حاسدة يُصيبُ بها ما عِنْدَ غيرِهِ مِنَ النِّعَم، والعينُ والحسَدُ يُؤثِّرانِ في المحسودِ ضَررًا يقَعُ به إمَّا في جِسمِه بمَرضٍ أو في مالِه، وذلك بإذنِ اللهِ تَعالَى ومَشيئتِه، كما قدْ أجْرى سُبحانه عادتَه وحقَّقَ إرادتَه فرَبَطَ الأسبابَ بالمسبِّباتِ، وأجْرَى بذلك العاداتِ، ثمَّ أمَرَنا بدَفعِ ذلك بالالتجاءِ إليه والدُّعاءِ، له وأحالَنا على الاستعانةِ بالرُّقى.
«اللهُ يَشفِيكَ» فاسمُ اللهِ يَشْفِيكَ ببَركتِه مِن كلِّ الأمراضِ ويُعافِيكَ مِن كلِّ الآلامِ؛ لأنَّ اسمَ اللهِ يُتبرَّكُ به كما أنَّه يُتبرَّكُ بذاتِه.
«بِاسْمِ الله أَرقِيكَ» كرَّره للمُبالَغَةِ، وبَدَأ به وختَم به إشارةً إلى أنَّه لا نَافِعَ إلَّا هو سُبحانه.
وفي الحديثِ: الإخبارُ بالمَرضِ على طَريقِ بيانِ الواقعِ مِن غيرِ تَضجُّرٍ ولا تَبرُّمٍ.
وفيه: بيانُ التَّداوِي بالرُّقَى الشرعيَّةِ.
وفيه: تَنبيهٌ على أنَّ الرُّقَى لا يَنبغِي أنْ تكونَ إلَّا بأسماءِ اللهِ وأوصافِه وذِكرِه.
وفيه: رِعايةُ اللهِ لِنبيِّه وحِفظُه له، وتَوكيلُه مَلائكتَه بذلكَ.
وفيه: إثباتُ تَأثيرِ الحسَدِ، وأنَّه مِن الشُّرورِ الَّتي يُستعاذُ منها.
وفيه: إثباتُ ضَررِ العينِ، وأنَّها حقٌّ، فيَنْبغي الاسترقاءُ منها.