مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 942

مسند احمد

مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 942

وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تباشر المرأة المرأة في الثوب الواحد، ولا يباشر الرجل الرجل في الثوب الواحد» قال: فقلنا لجابر: أكنتم تعدون الذنوب شركا؟ قال: معاذ [ص:366] الله

لقدْ سَدَّتِ الشَّريعةُ الإسْلاميَّةُ المُطهَّرةُ كلَّ الذَّرائِعِ المؤدِّيةِ إلى الوُقوعِ في الحَرامِ؛ لأجْلِ ذلك جاء الأمرُ بغَضِّ البَصَرِ، والنَّهيُ عن مُباشَرةِ العَوْراتِ والنَّظرِ إليها؛ لأنَّ ذلك قد يُؤدِّي إلى ارتِكابِ الفَواحِشِ
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى أنْ تُلامِسَ امرأةٌ بَشَرةَ امرأةٍ أُخْرى دُونَ حائِلٍ، ولا في فِراشٍ، أو ثَوبٍ واحدٍ، ولا تَنظُرَ إلى بَشَرتِها ومَحاسِنِها، كما في الصَّحيحِ عن عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تُباشِرِ المَرأةُ المَرأةَ، فتَنعَتَها لزَوْجِها كأنَّه يَنظُرُ إليها»؛ لأنَّ المُباشَرةَ والتَّلامُسَ قدْ يُؤدِّيانِ إلى لَمْسِ العَورةِ، ولَمْسُها مَنْهيٌّ عنه كالنَّظرِ إليها، بلْ هو أشَدُّ في النَّهيِ، وقد يُؤدِّي ذلك إلى مَفاسدَ أكبَرَ
وكذلك نَهى أنْ يَمَسَّ الرَّجلُ جسَدَ رجُلٍ غَيرِهِ دونَ حائِلٍ بيْنهما يَفصِلُ بيْن الجَسَدينِ ويَستُرُهما؛ لأنَّ وُقوعَ المُباشَرةِ بهذه الصُّورةِ يُؤدِّي إلى الشَّرِّ والفَسادِ والفِتْنةِ. وإذا وُجِدَ بيْنهما حائِلٌ، ولم يَكونا مُتجرِّدَينِ مِن ثِيابِهما، وأَمِنا الفِتْنةَ؛ فلا بَأسَ
هذا، ومَحَلُّ النَّهيِ مُباشَرةُ العَوْرةِ عنِ النَّظرِ إليها إذا لم تَكُنْ حاجةٌ، أمَّا إذا كانت هناك حاجةٌ شَرعيَّةٌ، فيَجوزُ النَّظرُ؛ كالتَّطبُّبِ ونَحوِه، على أنْ يَكونَ النَّظرُ على قَدْرِ الحاجةِ، وبغَيرِ شَهوةٍ كذلك
ثمَّ سَأَل الحاضِرونَ مِن التَّابِعينَ جابِرًا رَضيَ اللهُ عنه: هلْ كُنتم تَعُدُّونَ ارتِكابَ الذُّنوبِ شِركًا باللهِ؟ فقال جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «مَعاذَ اللهِ»؛ استَهْوَلَ هذا السُّؤالَ، وكيف يَسألُه مُسلِمٌ؟ أو كيف يَتصوَّرُ مُسلمٌ أنَّ الذُّنوبَ تُعَدُّ شِركًا بالله؟ بلِ الذُّنوبُ مَعاصٍ يَغفِرُها اللهُ سُبحانَه بالتَّوبةِ والاستِغْفارِ
ومَذهَبُ أهلِ الحقِّ: أنَّه لا يُكَفَّرُ أحدٌ مِن أهلِ القِبْلةِ بذَنْبٍ، ولا يُكفَّرُ أهلُ الأهْواءِ والبِدَعِ، وإنْ جحَد ما يُعلَمُ مِن دِينِ الإسْلامِ ضَرورةً حُكِمَ برِدَّتِه وكُفرِه، إلَّا أنْ يكونَ قَريبَ عَهدٍ بالإسْلامِ، أو نَشأ بِباديةٍ بَعيدةٍ، ونَحْوَه ممَّن يَخْفى عليه فيُعَرَّفُ ذلك، فإنِ استَمرَّ حُكِمَ بكُفرِه، ويَحكُمُ به أهلُ العِلمِ والدِّينِ، ولا يَحكُمُ به عَوامُّ النَّاسِ، واللهُ أعلَمُ