مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 185
حدثنا وكيع، عن فطر، ومحمد بن عبيد، قال: حدثنا فطر، عن شرحبيل أبي سعد، (2) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من كانت له أختان، فأحسن صحبتهما ما صحبتاه، دخل بهما الجنة "، وقال محمد بن عبيد: " تدرك له ابنتان، فيحسن إليهما ما صحبتاه، إلا أدخله الله تعالى الجنة "
جاء الإسلام باجتثاث كثير من عادات الجاهلية المنكرة، ومن ذلك أنه أوصى بالبنات من الذرية وحرم وأدهن وقتلهن، وبذر في قلوب أتباعه المودة والرحمة لهن، ووعد على الإحسان إليهن وتربيتهن الخير كله
وفي هذا الحديث يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن"، أي: تحلى بالصبر عليهن وعلى تربيتهن حتى يكبرن، وقام بحقوقهن وأنفق عليهن وأدبهن بأدب الإسلام، مع تعليمهن ما لا بد منه من أمور الدين، "وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته"، أي: من غناه ومن كسبه على قدر سعته واستطاعته، "كن له حجابا من النار يوم القيامة"، أي: جعلهن الله وقاية له من عذاب النار يوم القيامة
وكذلك أخرج ابن ماجه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم تدرك له ابنتان"، أي: يبلغان سن التكليف، وقيد ذلك بالبلوغ والإدراك؛ لأن البنت تغفل عن الأب بعد البلوغ، فربما تؤدي الكراهة إلى سوء المعاملة، فبين أن حسن المعاملة أعظم أجرا، "فيحسن إليهما ما صحبتاه- أو صحبهما-"، أي: مدة مصاحبتهما له وبقائهما عنده في عياله ونفقته، "إلا أدخلتاه الجنة"، أي: كانتا سببا في دخوله الجنة؛ مكافأة على إحسانه إليهما ورحمته بهن
والمراد بهذا: أن أجر القيام على البنات أعظم من أجر القيام على البنين؛ إذ لم يذكر مثل ذلك في حقهم؛ وذلك لأجل أن مؤنة البنات والاهتمام بأمورهن أعظم من أمور البنين؛ لأنهن عورات لا يباشرن أمورهن، ولا يتصرفن تصرف البنين، وكذلك لأنهن لا يتعلق بهن طمع الأب بالاستقواء بهن على الأعداء، وإحياء اسمه واتصال نسبه، وغير ذلك، كما يتعلق بالذكر؛ فاحتيج في ذلك إلى الصبر والإخلاص من المنفق عليهن مع حسن النية؛ فعظم الأجر وكان ذلك سببا للنجاة من النار
وفي الحديث: بيان فضل الإنفاق على العيال، ولا سيما البنات.
وفيه: الوصية بالبنات مع الإحسان إليهن، والوعد على ذلك بالنجاة من النار