مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 184
حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد العنقزي، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عمران، عن ابن عباس، قال: " هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نساءه شهرا، فلما مضى تسع وعشرون، أتاه جبريل، فقال: قد برت يمينك وقد تم الشهر "
كان التابعون رحمهم الله إذا اختلفوا في أمر ردوه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليذكروا لهم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرهم هذا، ويرفعوا الخلاف بينهم
وفي هذا الحديث يحكي التابعي أبو يعفور عبد الرحمن بن عبيد "أنهم قد تذاكروا الشهر"، أي: تناقشوا حول عدد أيام الشهر القمري "عند أبي الضحى مسلم بن صبيح الهمداني، قال أبو يعفور: "فقال بعضنا: ثلاثين"، أي: إن مدة الشهر ثلاثون يوما، "وقال بعضنا: تسعا وعشرين"، أي: وذهب البعض الآخر إلى أن مدته تسعة وعشرون يوما، "فقال أبو الضحى: حدثنا ابن عباس، قال: أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: أزواجه، "يبكين، عند كل امرأة منهن أهلها"، أي: لمواساتهن في بكائهن، "فدخلت المسجد فإذا هو ملآن من الناس"، أي: ممتلئ بالناس بسبب ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما أشيع أنه طلق نساءه
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فجاء عمر رضي الله عنه فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في علية له"، وفي رواية مسلم في قول حفصة: "هو في خزانته في المشربة"، وهي الغرفة التي يخزن فيها الطعام والشراب، وعادة ما تكون في مكان عال على غير ما يكون عليه باقي غرف البيت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتزل نساءه فيها، فسلم عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، "فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد"، وظاهر سلام عمر رضي الله عنه هو إذنه في الدخول عليه؛ فلم يأذن له أحد، "فرجع"، أي: هم عمر رضي الله عنه بالانصراف، "فنادى بلالا" روي هكذا بالنصب، ومعناه أن عمر نادى بلالا لما عرف أنه عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليستأذن له في الدخول، وروي "بلال" بالرفع على أنه هو الفاعل، والمفعول محذوف يعود على عمر رضي الله عنه، وقيل: هذا هو الأقرب؛ ففي البخاري: "فناداه، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم" بحذف فاعل "فناداه"، والضمير لعمر، وهو الذي دخل، وقد وقع مبينا في رواية أبي نعيم: "فانصرف، فناداه بلال، فدخل"، وفي نسخة أخرى للنسائي: "فنادى بلال" بحذف المفعول، وهي موافقة لما في البخاري وأبي نعيم
فدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أطلقت نساءك؟"، أي: هل اعتزالك لأزواجك بسبب طلاقك لهن؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، ولكني آليت منهن شهرا"، أي: حلفت ألا أدخل عليهن شهرا، "فمكث تسعا وعشرين، ثم نزل فدخل على نسائه"، وفي رواية مسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشهر يكون تسعا وعشرين"، وهو يوافق قول من قال: إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين يوما، وذلك إذا نقص، أما إذا تم فيكون ثلاثين يوما
وفي الحديث: رد الأمر عند الاختلاف إلى العلماء؛ ليحتكموا فيه إلى ما عندهم من علم السنة النبوية