مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 414
حدثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: أخبرنا ابن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: أنه " توضأ فغسل وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها، واستنثر، ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا، - يعني أضافها إلى يده الأخرى -، فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء، ثم رش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله اليسرى "، ثم قال: " هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "
كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على اتباع السنة النبوية وتعلمها، وتعليمها لمن بعدهم من المسلمين بالقول والفعل، ومن ذلك صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يبين حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صفة من صفات الوضوء بيانا عمليا؛ فبدأ بغسل وجهه، لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون؛ بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة بغرفة مستقلة، فبدأ في غسل وجهه بالمضمضة، وهي: تحريك الماء في الفم، ثم إلقاؤه، ثم الاستنشاق، ويكون بإدخال الماء في الأنف ثم نثره منه؛ لتنظيف داخل الأنف.ثم أخذ غرفة واحدة من الماء بيد واحدة، ثم جعل هذا الماء في كفيه، فغسل بها وجهه مرة واحدة باليدين جميعا؛ لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه، وحد الوجه طولا: من منبت شعر الرأس إلى الذقن واللحية، وعرضا: من الأذن إلى الأذن الأخرى، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده وذراعه اليمنى، وذلك إلى المرفق، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده وذراعه اليسرى إلى المرفق، ثم مسح برأسه، والمسح دون الغسل وأقل منه، والمراد بالرأس: منابت شعر الرأس. وفي رواية أبي داود: «ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح رأسه»، وفي رواية أخرى لأبي داود: «مسح برأسه وأذنيه، ظاهرهما وباطنهما».ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى، أي: فصب الماء قليلا قليلا حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله اليسرى، وذلك إلى الكعبين، كما ورد في الروايات. وقيل: لعل الغرض من ذكر الرش دون الغسل بيان تقليل الماء في العضو الذي هو مظنة للإسراف فيه، ويؤيد ذلك قوله: «حتى غسلها»؛ فإنه قرينة على أن المراد من الرش هو الغسل، ثم قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بعد انتهائه: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؛ فإن وضوءه رضي الله عنه كان محاكاة ومطابقة لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليما لمن حوله من التابعين والآخذين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث: أن التعليم بالعمل أكثر فائدة من التعليم بالقول