مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 90
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زياد بن الحصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] ، قال: " رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين "
كانت رحلَةُ الإسراءِ والمِعراجِ مِنَ المُعجِزَاتِ التي أيَّدَ بها اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأكرَمَه اللهُ وأصعَدَه مع جِبريلَ إلى السَّمواتِ العُلى، حتَّى أراه الجنَّةَ، وأراه من آياتِه الكُبرَى
وفي هذا الحَديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما تَفسيرًا لِما ورَدَ في سُورةِ النَّجمِ في قولِه تَعالَى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، أي: لم يَكذِب قلبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما رآه، بل رأى رُؤيةً صادقةً، ثُمَّ قالَ: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، يَعني: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى ربَّه عزَّ وجلَّ، لكن ليست رُؤيا عَينٍ، بل بقلبِه، كما في رِوايةٍ أُخرى في صَحيحِ مُسلِمٍ
وقيلَ: جَعَلَ اللهُ لقلبِه بصَرًا ليَراه كأنَّه يرَى بالعَينِ، أو ثبَّتَ اللهُ فؤادَه حتَّى يُدرِكَ ما تراه عينُه، وهذا على عكسِ ما ورَدَ في حديثِ أبي هُريرةَ عندَ مُسلِمٍ من أنَّ المقصودَ بالرُّؤيةِ هو جِبريلُ عليه السَّلامُ، وقد قالَ أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه في حديثِ مُسلِمٍ: «قد سألتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هلْ رأيْتَ ربَّك؟ فقالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: رأيتُ نُورًا»، وهذا القولُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحتمِلٌ، ولم يُوضِّح ما المقصودُ بالنُّورِ؛ هل هو نُورُ اللهِ؟ أم إنَّه رأى نُورًا لم يُمكِّنه من رُؤيةِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، كما أوضَحَ ذلك في الرِّواية الأخرَى عندَ مُسلِمٍ عن أبي ذَرٍّ أيضًا: «نُورٌ أنَّى أرَاه؟!»، أي: رأيتُ حِجابًا من نُورٍ؛ فكيف أرى اللهَ مع وُجودِ حِجابِ النُّورِ؟!
وقدِ اختُلِفَ بين الصَّحَابةِ رَضيَ اللهُ عنهم ومَن بَعدَهم في رُؤيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لربِّه؛ فمِنهم مَن أثبَتَها، ومنهم مَن نَفَاهَا، وقيلَ: إنَّ الأغلَبَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد رأى ربَّه، إلَّا أنَّهمُ اختَلفُوا في كيفيَّةِ الرُّؤيةِ؛ فمنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّ الرُّؤيا قد وَقَعَت بالقَلبِ، ومنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّها قد وقَعَت بالعَينِ