مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 174

مسند احمد

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 174

لَمَّا جاءَ الإسلامُ أصلَحَ ما أفسَدَتْهُ الجاهِليَّةُ من عاداتِ النَّاسِ، ونَظَّمَ العَلاقاتِ في كُلِّ شَيءٍ في الزَّواجِ والميراثِ وغَيرِ ذلِكَ

كما يُبيِّنُ هذا الحَديثُ؛ حيثُ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ غَيْلانَ بنَ سَلَمةَ الثَّقَفيَّ" وكانَ أحَدَ وُجوهِ ثَقيفٍ، "أسلَمَ وتحتَهُ عَشْرُ نِسْوةٍ" تَزوَّجَهُنَّ في الجاهِليَّةِ قَبلَ الإسلامِ، وأسلَمَ النِّسْوةُ العَشْرُ مع غَيْلانَ، "فقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اختَرْ منهُنَّ أربَعًا" فأمَرَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَختارَ أربَعَ زَوْجاتٍ أيَّتَهنَّ شاءَ، ويُفارِقَ الباقيَ؛ لأنَّ الإسلامَ حدَّ للرَّجُلِ أنْ يَتزوَّجَ إلى أربَعِ زَوْجاتٍ فقط، "فلمَّا كان في عَهدِ عُمَرَ" ومعه أربَعُ زَوْجاتٍ، "طلَّقَ نِساءَهُ" كُلَّهُنَّ طَلاقًا رَجْعيًّا "وقسَمَ مالَهُ بيْنَ بَنيهِ" في حَياتِهِ قَبلَ مَوتِهِ، والظَّاهِرُ أنَّه فعَلَ ذلِكَ عِندَما مَرِضَ وشعَرَ بقُربِ أجَلِهِ "فبلَغَ ذلِكَ عُمَرَ، فقالَ: إنِّي لأظُنُّ الشَّيْطانَ فيما يَسترِقُ من السَّمعِ سَمِعَ بمَوتِكَ، فقَذَفَهُ في نَفسِكَ" يُشيرُ عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه بذلِكَ إلى ما يَفعَلُهُ الشَّياطينُ من استِراقِ السَّمعِ من الملائِكةِ في السَّماءِ الدُّنيا، وإخْبارِ الكَهَنةِ والسَّحَرةِ بذلِكَ، ورُبَّما أدرَكَهُ الشِّهابُ قَبلَ الإخْبارِ فيَهلَكُ ويَحتَرِقُ، ومَن نَجا منهم بلَّغَ ما سَمِعَ وزادَ عليه مِئةَ كَذِبةٍ كما ثبَتَ ذلِكَ عِندَ الشَّيخينِ، والإمامِ أحمَدَ، وغَيرِهِم، واستِراقُ السَّمعِ ثابِتٌ في كِتابِ اللهِ تَعالى في أوَّلِ سُورةِ الصافَّاتِ {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 8 - 10]، ثُمَّ قالَ له عُمَرُ: "ولعلَّك إلَّا تَمكُثَ إلَّا قَليلًا" فتَبْقى في الدُّنيا زَمنًا قَليلًا ثُمَّ تموتُ "وايمُ اللهِ" وهذا قسَمٌ بأيْمانِ اللهِ "لَتُراجِعَنَّ نِساءَكَ إلى عِصمَتِكَ" إلى سابِقِ عَهْدِهِنَّ بأنْ يَبْقى الزَّواجُ قائِمًا، "ولَتَرجِعَنَّ في مالِكَ" فلا تَقسِمُهُ بيْنَ أبْنائِكَ، ولعلَّه كان قد طلَّقَ نِساءَهُ في حَياتِهِ حتَّى لا يَرِثْنَ منه بعدَ مَوتِهِ، وهذا ظُلمٌ وتَعَدٍّ على حُكمِ اللهِ؛ ولذلِكَ قال له عُمَرُ: "أو لأُورِّثُهُنَّ مِنكَ"، فأجعَلُ لهُنَّ نَصيبَهُنَّ من تَرِكَتِكَ بعدَ مَوتِكَ؛ لأنَّه تَبيَّنَ أنَّ طَلاقَكَ لهُنَّ كان طَلاقَ ضَرَرٍ بهِنَّ، ثُمَّ زادَهُ زَجْرًا وتَخْويفًا إنْ أصَرَّ على مَوقِفِهِ فقالَ: "ولآمُرَنَّ بقُبرِكَ فيُرجَمُ" فيَضرِبُهُ النَّاسُ بالحِجارةِ "كما رُجِمَ قَبرُ أبي رِغالٍ" وهو أبو ثَقيفٍ، وكان من ثَمودَ الَّتي أصابَها اللهُ بعَذابٍ فأهْلَكَها، وكان بالحَرَمِ فلم يَنزِلْ به العَذابُ، فلمَّا خرَجَ منه أصابَتْهُ النِّقْمةُ الَّتي أصابَتْ قَومَهُ بهذا المَكانِ فدُفِنَ فيه. وقيلَ: يُضرَبُ به المَثَلُ في الظُّلمِ والشُّؤمِ، وكان يرجم قَبرَهُ