مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 111

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 111

حدثنا عمار بن محمد، ابن أخت سفيان الثوري، عن إبراهيم، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يبعث يوم القيامة مناديا ينادي: يا آدم، إن الله يأمرك أن تبعث بعثا من ذريتك إلى النار، فيقول آدم: يا رب، ومن كم؟ قال: فيقال له: من كل مائة تسعة وتسعين "، فقال رجل من القوم: من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله؟ قال: «هل تدرون ما أنتم في الناس؟ ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير»

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أُمَّتَه إلى الاستِعْدادِ ليومِ القِيامةِ، بالعملِ والطاعاتِ، وقد وصَفَ بعضَ ما فيها تَحْذيرًا وتَخْويفًا لأُمَّتِه
وفي هذا الحديثِ يقولُ عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنَّا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سفَرٍ، فنزَلَت: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}"، أي: احْذَروا عِقابَه واجعَلوا بينَكم وبينَهم وقايةً بطاعَتِه واجتنابِ نواهيه؛ "{إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} [الحج: 1]"، والزلزلةُ شِدةُ الحَرَكةِ على الحالِ الهائلةِ، ووصَفَها بالعِظَمِ، ولا شيءَ أعظَمُ ممَّا عظَّمَه اللهُ تَعالى، وهي من أشْراطِ الساعةِ وعَلاماتِها قبلَ قِيامِها. وقيلَ: زَلزلةُ الساعةِ قِيامُها تكونُ معَها
"-قال عبدُ اللهِ بنُ أحمَدَ: سقَطَتْ على أبي كَلمةُ- راحلتِه"، لعلَّ المَقصودَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نزَلَتْ عليه هذه الآياتُ في سفَرٍ وهو على راحلتِه ودابَّتِه، فرفَعَ صوتَه بالآياتِ وهو راكبٌ عليها، ثم "وقَفَ الناسُ" حولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَجمَّعوا فقال لهم: "هل تَدْرونَ أيَّ يومٍ ذاك؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، -سقَطَت على أبي كلمةٌ- وهي في روايةِ الترمِذيِّ" ذاكَ يومٌ يُنادي اللهُ فيهِ آدمَ فيُناديهِ ربُّهُ"، قال عِمْرانُ: "يقولُ: يا آدَمُ، ابعَثْ بَعثَ النارِ"، والمُرادُ بهم: أهلُها، وإنَّما خَصَّ بذلك آدَمَ؛ لكونِه والدًا لجَميعِ البشَرِ، ولكَونِه كان قد عرَفَ أهلَ السعادةِ من أهلِ الشَّقاوةِ: فقد رَآه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ الإسْراءِ كما رَواه في الصَّحيحَينِ: (فإذا رَجلٌ عن يَمينِه أَسْوِدةٌ، وعن يَسارِه أَسْوِدةٌ، قال: فإذا نظَرَ قِبَلَ يَمينِه ضحِكَ، وإذا نظَرَ قِبَلَ شِمالِه بَكَى...، هذا آدَمُ، وهذه الأَسْوِدةُ عن يَمينِه وشِمالِه نَسَمُ بَنيه، فأهلُ اليَمينِ منهم أهلُ الجَنةِ، والأَسْوِدةُ التي عن شِمالِه أهلُ النارِ، "قال: وما بَعثُ النارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ تِسعَ مئةٍ وتِسعةً وتِسعينَ إلى النارِ" أي: أخرِج مِن كلِّ ألفٍ تِسعةً وتِسعينَ يَدخُلونَ النارَ، وواحدٌ فقط هو الذي يكونُ في الجَنةِ. قال عِمْرانُ رضِيَ اللهُ عنه: "فبَكَوْا"، يعني: فبَكى الناسُ خَوفًا وجَزَعًا لهَولِ العدَدِ الداخِلِ إلى النارِ، وقِلةِ الداخِلِ إلى الجَنةِ، فقال لهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُطَمْئنًا: "قارِبوا وسَدِّدوا؛ ما أنتم في الأُمَمِ" السابقةِ عليكم "إلَّا كالرقْمةِ" وهي الهَنةُ الناتئةُ في ذِراعِ الدابَّةِ منَ الداخِلِ، وهما رَقْمَتانِ في ذِراعَيْها، أو هي العَلامةُ الصغيرةُ في الثوْبِ الكبيرِ، أو لونٌ يُخالفُ لونًا يكونُ فيه، كما جاء عندَ البُخاريِّ ومُسلمٍ: "ثم أنتُم في الناسِ كالشَّعرةِ الَّسوداءِ في جَنبِ الثوْرِ الأبيَضِ، أو كالشَّعرةِ البَيضاءِ في جَنبِ الثوْرِ الأسوَدِ" يُشيرُ بذلك إلى أنَّ الأُممَ السابقةَ الكافرةَ عدَدُها كثيرٌ جدًّا، وأنَّ أُمةَ الإسلامِ لا تصِلُ إلى نِسبةِ واحدٍ إلى ألفٍ منهم، وهذا مِن جميعِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بما فيهم يَأْجوجُ ومَأْجوجُ؛ فيكونُ مِن كلِّ ألفٍ واحدٌ يَدخُلُ الجَنَّةَ، وقد جاءَ في رواياتٍ أُخرى للحديثِ أنَّ ذلِك كَبُرَ على الصَّحابةِ وعظُمَ عليهم، وقالوا: أيُّنا ذلك الواحدُ؟! فقال لهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَبْشِروا؛ فإنَّكم في أُمَّتَينِ ما كانَتا في شيءٍ إلَّا كثَّرَتاه؛ يَأْجوجُ ومَأْجوجُ، مِنكم واحدٌ، ومن يَأْجوجَ ومَأْجوجَ ألفٌ، فاستَبشَرَ الصحابةُ بذلك، ثم قال: "إنِّي لَأرْجو أنْ تَكونوا رُبعَ أهلِ الجَنةِ، إنِّي لَأرْجو أنْ تَكونوا ثلُثَ أهلِ الجَنةِ"، وهذه بُشْرى عَظيمةٌ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَثرةِ الداخِلينَ إلى الجَنةِ من أُمَّتِه، حتى يَكونوا رُبُعَ أهلِ الجَنةِ أو ثُلُثَهم، وهذه نِسبةٌ عَظيمةٌ جدًّا إذا قيسَت بنِسبةِ أُمَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الأُمَمِ الأُخْرى .