مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 2

مستند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 2

 حدثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن كثير بن مدرك الأشجعي، عن عبد الرحمن بن يزيد، أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا، فقال: عبد الله أنسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة، يقول: في هذا المكان: «لبيك اللهم لبيك»

 الحجُّ رُكنٌ مِن أركانِ الإسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتؤخَذُ أركانُه وسُننُه وآدابُه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنهُ لَبَّى حينَ أَفاضَ مِن جَمعٍ، وهيَ المُزدَلِفةُ، وهي ثالثُ المشاعِرِ المقدَّسةِ الَّتي يمُرُّ بها الحَجيجُ، وتقَعُ بينَ مَشعَرَيْ مِنًى وعَرَفاتٍ، ويَبيتُ الحجَّاجُ بها بعدَ نَفْرتِهم من عَرفاتٍ في آخِرِ يومِ التَّاسعِ من ذي الحِجَّةِ، ثُمَّ يُقيمونَ فيها صَلاتَيِ المغرِبِ والعِشاءِ جَمعًا وقَصرًا، ويجمَعونَ فيها الحَصى لرَميِ الجَمَراتِ بمنًى، ويمكُثُ فيها الحجَّاجُ حتَّى صباحِ اليومِ التَّالي يومِ عيدِ الأضْحى ليُفيضوا بعدَ ذلك إلى منًى، وصِيغةُ التَّلبيةِ -كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ ابنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما-: «لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لكَ لَبَّيكَ، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَريكَ لكَ»، فلمَّا سَمِعَه النَّاسُ يُلبِّي في هذا المكانِ وهذا الوقتِ أنْكَروا عليه تَلبيتَه، وظَنُّوا أنَّه أَعْرابيٌّ من سكَّانِ الصَّحاري الَّذين لا يَفقَهونَ ولا يَعلَمونَ أحْكامَ الدِّينِ، وأخرَجَ البَيهَقيُّ في الكُبرى «فقالوا: يا أعْرابيُّ، إنَّ هذا ليس بيومِ تَلبيةٍ، إنَّما هو التَّكبيرُ»، فَقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه مُنكِرًا على مَن أنكَرَ عليه التَّلبيةَ حينَما أفاضَ من مُزدَلِفةَ: «أَنَسِيَ النَّاسُ أم ضلُّوا؟!»، والمَعنى: هل نَسيَ هؤلاء سُنةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّلبيةِ في مثلِ هذا الموضِعِ حتَّى أنْكَروا، أم هم تارِكونَ للسُّنَّةِ معَ عِلمِهم بها؟! ثُمَّ قال: «سَمِعتُ الَّذي أُنزلِتْ عليه سورةُ البَقرةِ» يقصِدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «يَقولُ في هذا المكانِ: لبَّيكَ اللَّهمَّ لبَّيكَ»، أي: أُكرِّرُ إجابَتي لكَ في امتِثالِ أمْرِكَ بالحَجِّ، فأُلَبِّي أمرَكَ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، وإنَّما خَصَّ البَقرةَ؛ لأنَّ مُعظمَ أَحْكامِ المَناسكِ فيها، فكأنَّه قالَ: هذا مَقامُ مَن أُنزِلتْ عليه المَناسِكُ، وأُخِذَ عنهُ الشَّرعُ، وبَيَّنَ الأَحْكامَ؛ فَاعتَمِدُوه

وفي الحَديثِ: التَّلبيةُ في المُزدَلِفةِ

 وفيه: بيانُ ما كان عليه الصَّحابةُ من تَعليمِ النَّاسِ وتَذْكيرِهم بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ