مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 495
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن عمارة بن القعقاع، قال: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صاحب لنا، عن عبد الله بن مسعود، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا يعدي شيء شيئا» ، لا يعدي شيء شيئا، لا يعدي شيء شيئا "، فقام أعرابي، فقال: يا رسول الله، النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما أجرب الأول؟ لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر، خلق الله كل نفس، فكتب حياتها، ومصيباتها، ورزقها»
جاء الإسلامُ لِيَهدِمَ مُعتقداتِ الجاهليَّةِ، ويَبنِيَ للمسلمِ العقيدةَ الصَّحيحةَ المَبْنيَّةَ على صِحَّةِ التَّوحيدِ وقوَّةِ اليقينِ، والابتعادِ عن الأوهامِ والخيالاتِ التي تَعبَثُ بالعقولِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "قام فِينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: لا يَعْدي شيءٌ شيئًا"، والعَدْوى: هي انتقالُ المرضِ مِن المريضِ إلى غيرِه، والمعنى: أنَّها لا تُؤثِّرُ بطَبْعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقدَرِ اللهِ وتقْديرِه، قال ابنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "فقال أعرابيٌّ"، وهو ساكنُ الصَّحراءِ مِن العربِ، "يا رسولَ اللهِ، البعيرُ أجرَبُ الحَشفةِ نُدْبِنُه"، مِن الدِّبْنِ، وهو: حظيرةُ الغنَمِ مِن القصَبِ، والمرادُ به هنا: مَعاطنُ الإبِلِ، والحشَفةُ: رأْسُ الذَّكَرِ، والمعنى: نُدخِلُ البعيرَ المُصابَ بالجرَبِ في حَشَفتِه على باقي الإبلِ، "فتَجرَبُ الإبِلُ كلُّها"، أي: يكونُ هذا سببًا لعَدْوى باقي الإبِلِ التي دخَلَ عليها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فمَن أجْرَبَ الأوَّلَ؟" أي: إذا قُلْنا بأنَّ العَدْوى هي المُتسبِّبةُ في المرضِ، فمِن أين جاء المرضُ إلى المريضِ الأوَّلِ؟ "لا عَدْوى، ولا صَفَرَ"، وهي دوابُّ مِنْ دُودٍ أو حيَّاتٍ، تُصِيبُ الماشيةَ والإنسانَ، وهي أعْدى مِن الجرَبِ عندَ العربِ، فعلى هذا فالمرادُ بنفْيِ الصَّفرِ نفْيُ ما كانوا يَعتقِدونه فيه مِن العَدْوى، وهي حَيَّةٌ في البَطنِ تُصيبُ الإنسانَ إذا جاعَ وتُؤذيه. وقيل: بلِ المُرادُ بـ(صَفَر) الشَّهرُ؛ وذلك أنَّ العرَبَ كانت تُحرِّمُ شهْرَ صَفَرٍ وتَستحِلُّ المُحرَّمَ، فجاء الإسلامُ برَدِّ ما كانوا يَفعَلونه مِن ذلك، "خلَقَ اللهُ كلَّ نفْسٍ، فكتَبَ حياتَها، ورِزْقَها، ومَصائبَها"، أي: كلُّ شَيءٍ يُصِيبُ الإنسانَ واقعٌ بقدَرِ اللهِ سُبحانه وتعالى، ولا يَخرُجُ عن قُدْرتِه، وفي هذا نهْيٌ عن التَّشاؤُمِ بالأحداثِ والزَّمانِ والمكانِ؛ لأنَّ كلَّ شَيءٍ بقدَرِ اللهِ