مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 197
حدثنا عبد الله (2) ، حدثني أبي، حدثنا هشيم، وأبو إبراهيم المعقب، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن الشعبي، قال: أتي علي بمولاة لسعيد بن قيس محصنة قد فجرت، قال: فضربها مائة، ثم رجمها، ثم قال: " جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1
الحُدودُ في الإسلامِ مُحَدَّدةٌ بشُروطٍ وضَوابِطَ، وهي زَواجِرُ ورَوادِعُ لِكُلِّ مَن يُفَكِّرُ في الوُقوعِ في حَدٍّ منها، وكذلك هي مَطهَرةٌ لِمَنِ اقتَرَفَها، ثم أُقيمَ عليه الحَدُّ، ومِن تلك الحُدودِ حَدُّ القَذفِ، وحَدُّ الزِّنا، وهما لِلحِفاظِ على الأعراضِ مِن أنْ تُنتَهَكَ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ التابِعيُّ عامِرُ بنُ شَراحيلَ الشَّعبيُّ:
"أُتيَ علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بزانٍ مُحصَنٍ"، والمُحصَنُ: هو المُتزَوِّجُ، أو مَن سَبَقَ له الزَّواجُ،
"فجَلَدَه يَومَ الخَميسِ مِئةَ جَلدةٍ"، فضَرَبَه مِئةَ جَلدةٍ أوَّلًا يَومَ الخَميسِ،
"ثم رَجَمَه يَومَ الجُمُعةِ"، ضَرَبَه بالحِجارةِ حتى المَوتِ يَومَ الجُمُعةِ،
"فقيلَ له: جَمَعتَ عليه حَدَّيْنِ"، وهذا إنكارٌ منهم أنْ يُعاقَبَ الجاني بعُقوبَتَيْنِ مُختَلِفَتَيْنِ على ذَنبٍ واحِدٍ، "فقالَ: جَلَدتُه بكِتابِ اللهِ"، وفيه أنَّ الزانيَ يُجلَدُ مِئةَ جَلدةٍ، ولكنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتِ الحُكمَ الواردَ في هذه الآيةِ بأنَّ الزانيَ غَيرَ المُحصَنِ هو الذي يُجلَدُ مِئةَ جَلدةٍ، وأمَّا الزاني المُحصَنُ فإنَّه يُرجَمُ حتَّى الموتِ؛ ولذلك قال:"ورَجَمتُه بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، والمُرادُ أنَّ رَجمَ الزَّاني المُحصَنِ مَأخوذٌ مِن سُنَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولذلك نَفعَلُه. وهذا اجتِهادٌ منه رضِيَ اللهُ عنه في الجَمعِ بَينَ الجَلدِ بالقُرآنِ الكَريمِ، والرَّجمِ المَأخوذِ مِنَ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ،
وإذا كان علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه قد جَمَعَ بَينَ الجَلدِ والرَّجمِ لِلزَّاني المُحصَنِ، فإنَّ رَأيَ جُمهورِ العُلَماءِ على أنَّ المُحصَنَ عليه الرَّجمُ فقط، لا الجَلدُ؛ لِأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجَمَه فَقَطْ في عَصرِه، ورَجَمَ بَعدَه أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ رَضيَ اللهُ عنهم، ولِأنَّ آيةَ الجَلدِ خاصَّةٌ بالزَّاني غَيرِ المُحصَنِ، كما أنَّه لا يُشترَطُ حُضورُ الإمامِ الرَّجمَ، ولكن يَحضُرُ مَن يُكَلِّفُه الإمامُ.