مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 6
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر
عن عبد الله بن عمر، قال: خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمناها تفرقنا في أموالنا، قال: فعدي علي تحت الليل، وأنا نائم على فراشي، ففدعت يداي من مرفقي، فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي، فأتياني، فسألاني عمن صنع هذا بك؟ قلت: لا أدري، قال: فأصلحا من يدي، ثم قدموا بي على عمر فقال: هذا عمل يهود.
ثم قام في الناس خطيبا، فقال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم، مع عدوتهم على الأنصاري (2) قبله، لا نشك أنهم أصحابهم، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود. فأخرجهم (3)
ظلَّ اليَهودُ بالمدينةِ وخارجَها يَغدِرونَ بالمسلمينَ ويَنقُضونَ عُهودَهم مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حياتِه، ومع أصحابِه بعْدَ وَفاتِه، وقدْ أجْلَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ بَني النَّضيرِ وبَني قَينُقاعَ، ثُمَّ في خِلافِةِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه
كما في هذا الحديثِ- أجْلَى يَهودَ خَيبَرَ، وهي بَلدةٌ تقَعُ شَمالَ المدينةِ على طَريقِ الشَّامِ
تَبعُدُ عن المدينةِ 95 مِيلًا (153 كم)، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ عامَلَ يَهودَ خَيبرَ على أموالِهم، فأقَرَّهم على أموالِهم بأنْ أخَذَ الجِزيةَ منهم، واتَّفقَ معهم على العملِ في المَزارعِ مُقابِلَ نَصيبٍ مُعيَّنٍ، وحدَثَ في وقْتِ خِلافةِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما ذَهَبَ إلى هناك، فغَدَرَ يَهودُ خَيبَرَ به واعتَدَوْا عليه، ففُدِعَتْ يَداه ورِجْلاه،
أي: اعوَجَّتْ يَداهُ ورِجلاه، وانقَلبَتْ كَفَّاه وقدَمَاه، فخَطَبَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه وأخبَرَ النَّاسَ بما وقَعَ لِولدِه مِن أشخاصٍ مَجهولِينَ في خَيبرَ، وأنَّه ليسَ له أعداءٌ سِوى اليهودِ؛ فإنَّ التُّهمةَ تَتوجَّهُ إليهم، وذكَرَ أنَّه رَأى أنَّ إجْلاءَهم وإخراجَهم مِن خَيبرَ هو الحلُّ الأمثَلُ، فلمَّا أجمَعَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه على ذلك، أَتاه أحدُ بَني أبِي الْحَقيقِ -وهو رئيسُهم وزَعيمُهم- وقال: تُخرِجُنَا وقدْ أقرَّنَا محمَّدٌ؟! -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أي: اتَّفَقَ معَنا على البقاءِ في خَيْبرَ،
وعاهَدَنَا عليه وعامَلَنا على الأموالِ، أي: وتَعاقَدَ معنا على العملِ في مَزارعِ خَيبرَ؟
فقال عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: وهلْ تَظُنُّ أنِّي نَسيتُ إخبارَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإِخراجَك مِن خَيبرَ تَجْري على نَاقتِك؟ فقال هذا الرَّجلُ: كانتْ هذه هُزَيلَةٌ،
أي: إنَّما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك مازحًا لا جادًّا
فقال: كذَبْتَ يا عدُوَّ اللهِ، فَأجْلاهم عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه،
وأعْطاهمْ قِيمةَ الثِّمارِ الَّتي لهم دَراهِمَ وإبلًا وأمتعةً، مِن أقْتابٍ وحِبالٍ وغيرِ ذلك
والأقتابُ: جمْعُ قَتَبٍ، وهو ما يُوضَعُ فوقَ ظَهْرِ الجمَلِ؛ لِوقايتِه عندَ الحمْلِ عليه
وإنَّما تَرَكَ عمَرُ مُطالَبةِ اليهودِ بالقِصاصِ فيما أصابَ ابْنَه؛
لأنَّه أُصِيبَ لَيلًا وهو نائمٌ، فلم يَعرِفِ ابنُ عمَرَ أشخاصَ مَن أصابُو
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ المُساقاةِ؛ وهي دَفْعُ شَجرٍ لمَن يَسْقِيه ويَعمَلُ عليه بجُزءٍ مَعلومٍ مِن ثَمَرِه