227 مسند أبي هريرة رضي الله عنه
مسند احمد
حدثنا سفيان، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: جاء نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: يا رسول الله، والله ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه. قال: «موعدكن بيت فلان» . وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد، قال: فكان مما قال لهن، يعني: «ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن، إلا دخلت الجنة» فقالت امرأة منهن: أو اثنان؟ قال: «أو اثنان»
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يَحرِصونَ على مَجالِسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يُعَلِّمَهم أحكامَ الدِّينِ، ولَم يَكُنْ تَعليمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُختَصًّا بالرِّجالِ، بَل حتَّى النِّساءُ كان رَسولُ اللهِ يُخَصِّصُ لهنَّ أوقاتًا أو أيَّامًا مُعَيَّنةً، فيَجتَمِعنَ ثُمَّ يَأتينَ إليه فيُعَلِّمُهنَّ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه جاءَ نِسوةٌ، أي: مِنَ الصَّحابيَّاتِ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلنَ له: يا رَسولَ اللهِ، واللهِ ما نَقدِرُ عليك، أي: على الأخذِ مِنك، في مَـجلِسِك، أي: للعِلمِ، مِنَ الرِّجالِ، أي: لأجلِهم ومِن جِهَتِهم فهم دائِمًا مَعَك، وفي رِوايةٍ أُخرى أنَّهنَّ قُلنَ: غَلَبَنا عليك الرِّجالُ، فواعِدْنا مِنك يَومًا نَأتيك فيه، أي: فاجعَلْ لنا يا رَسولَ اللهِ يَومًا خاصًّا بنا نَأتي إليك فتُحَدِّثُنا. فقال رسولُ اللهِ: مَوعِدُكُنَّ بَيتُ فُلانٍ، أي: ذَكَر لهنَّ رَسولُ اللهِ إحدى بُيوتِ أصحابِه يَجتَمِعنَ فيه هناكَ في يَومٍ مُعَيَّنٍ، ففي رِوايةٍ أُخرى: أنَّه قال: يَومَ كَذا وكَذا في مَكانِ كَذا وكَذا، فلَمَّا اجتَمَعنَ أتاهنَّ رَسولُ اللهِ في ذلك اليَومِ ولِذلك الـمَوعدِ، أي: في نَفسِ المَوعِدِ والمَكانِ الذي حَدَّدَه لهنَّ، فحَدَّثَهنَّ وعَلَّمَهنَّ، وفي رِوايةٍ: فأتاهنَّ فعَلَّمَهنَّ السُّنَّةَ، وكان مِمَّا قال لهنَّ: ما مِنِ امرَأةٍ تُقَدِّمُ ثَلاثًا مِنَ الوَلَدِ -والولَدُ يُقالُ على الذَّكَرِ والأُنثى، أي: يَموتُ لها ثَلاثةٌ مِنَ الأولادِ- تـحتَسِبُهنَّ. الِاحتِسابُ: هو ادِّخارُ الأجرِ عِندَ اللهِ، وأن يَعتَدَّ مُصابَه ويَحسُبَه مِن حَسَناتِه، وهو مَأخوذٌ مِنَ الحِسابِ. والمَعنى: تَطلُبُ أجرَهم مِنَ اللهِ في الصَّبرِ على المُصيبةِ في فَقدِ أولادِها، إلَّا دَخَلَتِ الجَنَّةَ، أي: كان جَزاؤُها الجَنَّةَ. فقالتِ امرَأةٌ مِنَ الحاضِراتِ مِنهنَّ: أوِ اثنانِ؟ أي: ولَو كان اثنانِ يا رَسولَ اللهِ. فقال رسولُ اللهِ: أوِ اثنانِ، أي: وكذلك مَن تُقَدِّمُ اثنَينِ مِن أولادِها، فلَها ذلك الفَضلُ والثَّوابُ
وفي الحَديثِ حِرصُ الصَّحابيَّاتِ رَضِيَ اللهُ عنهنَّ على تَعَلُّمِ أحكامِ الدِّينِ والتَّفقُّهِ
وفيه مَشروعيَّةُ جَعلِ العالِمِ وقتًا للنِّساءِ يَخُصُّهنَّ به حتَّى يُعَلِّمَهنَّ
وفيه فضلُ أجرِ مَنِ احتَسَبَ مَن ماتَ مِن أولادِه