229مسند أبي هريرة رضي الله عنه
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن ابن العجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه، فإن في أحد جناحيه شفاء، والآخر داء»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نِعمَ المعلِّمُ ونِعمَ المرشِدُ لأصحابِه وأُمَّتِه مِن بَعدِهم، وقدْ علَّمَنا بما أَوحَى اللهُ إليه ممَّا لا نَعلَمُ سَببَه الحَقيقيَّ، ولكنَّنا نُسلِّمُ بما صحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحَديثِ إرشادٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما يُفعَلُ إذا وَقَعَ الذُّبابُ في الإناءِ وفي المشروبِ السَّائلِ؛ فإنَّه أَمَرَ أنْ يُغمَسَ جَميعُه في الشَّرابِ، ثمَّ يُلْقى خارجَ الشَّرابِ ويُرْمى به؛ وذلك لأنَّ في أحَدِ جَناحَيِ الذُّبابِ داءً يُسبِّبُ المرَضَ، وفي الجَناحِ الآخرِ دَواءً مِن هذا الدَّاءِ ويكونُ سَببًا للشِّفاءِ، فإذا غُمِسَتْ جَميعُها سَلِمَ الشَّرابُ مِن هذا الدَّاءِ. والواجِبُ على المسلِمِ تَصديقُ خَبَرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه لا يَنطِقُ عن الهَوى؛ فهذا مِن مُقتَضَياتِ الشَّهادةِ بأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وهذا الحديثُ قدْ وُجِّهَ له الطَّعنُ قَديمًا وحَديثًا، ثمَّ أتَى العِلمُ الحديثُ فأثبَتَ مِصداقَ حَديثِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ جَناحَيِ الذُّبابِ يَشتَمِلُ أحدُهما على البكْتيريا الضَّارَّةِ التي تُسَبِّبُ الدَّاءَ، ويَشتَمِلُ الآخَرُ على الدَّواءِ المتمَثِّلِ في المُضادَّاتِ لتِلك البكْتيريا؛ فكيف له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَطَّلِعَ على ذلك إلَّا بوَحيٍ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ؟
هذا، ويَنْبغي التَّنَبُّهُ لأمُورٍ؛ منها: أنَّ الأمْرَ في الحديثِ أمْرُ إرشادٍ لا وُجوبٍ. ومنها: أنَّ الحديثَ لم يَتعرَّضْ لمَسألةِ الشُّربِ مِن هذا الإناءِ بعْدَ غَمْسِ الذُّبابِ فيه؛ لا بأمْرٍ ولا نهْيٍ، فرُبَّما يَتقَزَّزُ بَعضُ النَّاسِ مِن هذا الإناءِ، وتَعافُه نَفْسُه، فيُريقُه، فلا إثمَ عليه في ذلك