التثويب في أذان الفجر
سنن النسائي
أخبرنا سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن أبي سلمان، عن أبي محذورة قال: " كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح. الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله "
كان أبو مَحْذورةَ قَدْ لَقِي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعْضِ الطُّرقِ وهو راجعٌ مِن غزوةِ حُنينٍ ولم يَكُنْ أَسْلَمَ بَعْدُ، فلمَّا سَمِعَ أبو مَحْذورةَ أذانَ المسلِمينَ جَعَلَ يُحاكي الأذانَ مُسْتهزِئًا به وساخرًا، فسَمِعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَوتَ أبي مَحذورةَ- وكان نديَّ الصَّوتِ مع شِدَّتِه وارتفاعِه- فأَرْسَلَ إليه، فجاءَه حتَّى وَقَفَ بين يَدَيْه ومَنَّ اللهُ عليه بالإسلامِ، وعلَّمه الأذانَ ليُؤذِّنَ به في قومِه
وفي هذا الحديثِ يَقولُ أبو مَحْذُورةَ: "أَلْقى عليَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأذانَ حَرْفًا حرفًا"، أي: كلمةً كلمةً، والمُرادُ: إظهارُ ما كان عِنْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنْ حِرْصٍ على تعليمِه وتَثْبيتِ حِفْظِ أبي مَحْذورةَ للأذانِ، وصِيغةُ الأذانِ هي: "اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ"، هكذا بتربيعِ التَّكبيرِ، ومَعْناهُ: اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ، وكِبْرياؤُه واضِحٌ لكُلِّ أحَدٍ، "أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، أشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ"، أي: يَتَشهَّدُ بشَهادةِ التَّوحيدِ، وفيها الشَّهادةُ للهِ بالتَّوحيدِ وأنَّه لا معبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، ثُمَّ الشَّهادةُ لمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّسالةِ، وهذا مِنْ تكريمِ اللهِ لنبيِّه أنْ قَرَنَ اسْمَه وصِفَتَه مع شهادةِ التَّوحيدِ، مع تَثْنيةِ كُلِّ شَطْرِ منها مَرَّتينِ مُتتاليتينِ، بصوتٍ مُرْتَفِعٍ، كما أَوْضَحَتْ ذلك رِوايةٌ أُخْرى، وفيها: وَصْفُ الأذانِ بالتَّرجيعِ، وهو العَوْدُ إلى الشَّهادتَينِ مَرَّتينِ برَفْعِ الصَّوتِ بَعْدَ قولِهما مرَّتينِ بخَفْضِ الصَّوتِ
وقوله: "حَيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الصَّلاةِ"، أي: أَقْبِلْ وانْهَضْ إلى الصَّلاةِ، "حيَّ على الفَلَاحِ، حيَّ على الفلاحِ"، أي: أَقْبِلْ وانْهَضْ إلى ما فيه الفوزُ والنَّجاحُ، "وكان يَقولُ في الفَجْرِ"، أي: كان يَخُصُّ أذانَ الفَجْرِ، بقولِه: "الصَّلاةُ خيرٌ مِنَ النَّومِ"، وقَدْ وضَّحتْ بعضُ الرِّواياتِ أنَّه يَقولُها مرَّتينِ بَعْدَ قولِه: حيَّ على الفَلاحِ
وفي الرِّواياتِ: فكان مؤذِّنَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَكَّةَ
وفي الحديث: بيانُ بَعضِ صِيغ الأذانِ الَّتي عَلَّمَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابه، وبيانُ مواضِع رفْع الصوتِ وخَفْضِه ومَواضِع الترجيعِ، وكيفيَّةِ وموضِع الزِّيادةِ في أذانِ الفَجرِ