الحث على الهجرة 2
سنن النسائي
أخبرنا عيسى بن مساور قال: حدثنا الوليد، عن عبد الله بن العلاء بن زبر، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبد الله بن وقدان السعدي قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كلنا يطلب حاجة، وكنت آخرهم دخولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني تركت من خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، قال: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار»
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصينَ أشدَّ الحِرصِ على سُؤالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عمَّا يَظهَرُ له مِن أسئلةٍ، ومَعرفةِ ما يَنفَعُهم في دُنياهم وآخَرَتِهم
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو فاطمةَ اللَّيثيُّ رَضِي اللهُ عَنه أنَّه قال: "يا رسولَ اللهِ، حدِّثْني بعَملٍ أَستَقيمُ عليه وأعمَلُه"، أي: أثبُتُ عليه بالعمَلِ والمداومةِ ويَنفَعُني في دُنياي وآخِرَتي، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "عَليك بالهِجرةِ"، أي: التَّحوُّلِ مِن دارِ الكُفرِ إلى دارِ الإيمانِ؛ فإنَّه لا مِثلَ لها"، أي: لا خيرَ ولا أفضلَ في الأجرِ منها، قيل: وكان ذلك يومَ أنْ كانت الهجرةُ واجبةً، وقد كانتِ الهجرةُ إلى المدينةِ النَّبويَّةِ فرضًا في أوَّلِ الأمرِ، ثمَّ صارت مندوبةً، وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ فتْحِ مكَّةَ: "لا هِجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكِنْ جهادٌ ونيَّةٌ"؛ فبَقِي عمَلُ الخيرِ في كلِّ مكانٍ؛ فهو الَّذي يَنفَعُ العبدَ مع إخلاصِ النِّيَّةِ في الأعمالِ للهِ ربِّ العالَمين، وهَجرِ ما نهى اللهُ عنه
وهذا الحديثُ مُختصَرٌ مِن رِوايةٍ أخرى، وفيها أنَّه قال عَقِب تِلك الرِّوايةِ: "يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حدِّثْني بعمَلٍ أستَقيمُ عليه وأعمَلُه، قال: عليك بالصَّبرِ؛ فإنَّه لا مِثلَ له، قال: يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حدِّثني بعِلمٍ أستقيمُ عليه، وأعمَلُه، قال: عليك بالسُّجودِ؛ فإنَّك لا تَسجُدُ للهِ سجدةً إلَّا رفَعَك اللهُ بها درَجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً"، وهذه الأمورُ المذكورةُ مِن الهجرةِ والصَّبرِ والسُّجودِ أبوابٌ مِن الطَّاعاتِ لكلٍّ مِنها فضلُه، وقد تَعدَّدت الرِّواياتُ بغيرِ ما ذُكِرَ
في هذا الحَديثِ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُوصِي كلَّ شَخصٍ بحَسبِ ما يَعلمُه من حالِه، أو يُعدِّدُ الوصايا بالخيرِ للأُمَّةِ؛ لتستفيدَ جميعُها منها