الحلق
سنن النسائي
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم، قال: أنبأنا جعفر بن عون، قال: حدثنا أبو عميس، عن أبي صخرة، عن عبد الرحمن بن يزيد، وأبي بردة، قالا: لما ثقل أبو موسى أقبلت امرأته تصيح، قالا: فأفاق، فقال: ألم أخبرك أني بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالا: وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا بريء ممن حلق، وخرق، وسلق»
جاء الإسلامُ ليَمْحوَ آثارَ الجاهِليَّة وعاداتِها، وقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلَّ ما كان من أُمورِ الجاهِليَّة القَبيحة؛ حتَّى يَتَجَنَّبَها المُسلِمُ، وتكون عَقيدَتُه سَليمةً
وفي هذا الحديثِ يَحكي يَزِيدُ بنُ أَوْسٍ، أنَّه دخَلَ على أبي مُوسَى "وهو ثَقِيلٌ"، أي: في شِدَّةِ مَرضِه، فَذهبت امرأتُه لِتبكيَ "أو تَهُمَّ بِه"، أي: تُريدَ البُكاءَ، فلمَّا رَآها أبو مُوسَى رَضِيَ الله عنه قال لها: "أمَا سَمِعْتِ ما قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟"، أي: نَبَّهَها وذَكَّرَها بما سَمِعَتْه من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وماذا يَنبغِي أنْ يُفعلَ في مِثل هذا الموقفِ، "فقالتْ" امرأةُ أبي مُوسَى: "بَلَى"! أي: سَمعتُ ما قاله النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، "قال" يَزيدُ: "فَسكتتْ"، أي: المرأةُ ولمْ تَبْكِ، "فلمَّا مات أبو مُوسَى" وَوَافَاهُ الأَجَلُ، قال يَزيدُ: "لَقِيتُ المَرْأَةَ"، أي: قابلتُ المرأةَ، "فقلتُ لها"، أي: سَألتُها: "ما قَوْلُ مُوسَى لكِ: أما سَمِعْتِ ما قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ سَكَتَ؟"، أي: ماذا كان يَقصِدُ أبو مُوسَى بقولِه لكِ عند وفاتِه ما سَمِعْتِه من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقالتْ له المرأةُ: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ليس مِنَّا"، أي: ليس من أَهْلِ سُنَّتِنَا وطَريقَتِنا "مَنْ حَلَقَ" أي: حَلَقَ رَأسَهُ عند المُصيبةِ والبَلاءِ، أو شَدَّ شَعْرَ رَأسِه، "ومَنْ سَلَقَ"، أي: رَفَعَ صوتَه بالمُصيبةِ، "وَمَنْ خَرَقَ"، أي: قَطَعَ ثِيابَه بسببِ المُصيبةِ
وفي الحديثِ: بَيانُ امْتِثالِ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم لأَمْرِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
وفيه: النَّهْيُ عن الحَلْقِ والنَّوْحِ عندَ المُصيبةِ
وفيه: الحَثُّ على الصَّبْرِ عند نُزولِ البَلاءِ