الدين يسر
سنن النسائي
أخبرنا أبو بكر بن نافع، قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، ويسروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة»
دِينُ الإسلامِ هو دِينُ اليُسرِ، وقدْ حثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على مُلازمةِ الرِّفقِ في الأعمالِ، والاقتصارِ على ما يُطيقُه العاملُ، ويُمكِنُه المداوَمةُ عليه، وأنَّ مَن شَادَّ الدِّينَ وتعمَّقَ انقطَعَ، وغلَبَه الدِّينُ وقهَرَه
وقد أسَّس صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أوَّلِ الحديثِ هذا الأصلَ الكبيرَ، فقال: «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ»، فهو مُيسَّرٌ مُسهَّلٌ في عَقائدِه وأخلاقِه، وفي أفعالِه وتُروكِه. ثمَّ وصَّى بالتَّسديدِ والمقارَبةِ، وتَقويةِ النُّفوسِ بالبِشارةِ بالخيرِ، وعدَمِ اليأسِ، والتَّسديدُ: هو العملُ بالقصدِ، والتَّوسُّطُ في العِبادةِ، فلا يُقصِّرُ فيما أُمِرَ به، ولا يَتحمَّلُ منها ما لا يُطِيقُه، مِن غيرِ إفراطٍ ولا تَفريطٍ. وقولُه: «وقارِبوا»، أي: إنْ لم تَستطيعوا الأخْذَ بالأكملِ، فاعمَلوا بما يَقرُبُ منه. وقولُه: «وأبشِروا»، أي: بالثَّوابِ على العملِ وإن قَلَّ.ثمَّ أرشَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما يُساعِدُ على السَّدادِ والمقارَبةِ، فقال: «واستعِينوا بالغَدْوةِ والرَّوْحةِ، وشَيءٍ مِن الدُّلْجةِ»؛ فهذه الأوقاتُ الثَّلاثةُ أوقاتُ العملِ والسَّيرِ إلى اللهِ؛ فالغَدوةُ: أوَّلُ النَّهارِ، والرَّوحةُ: آخِرُه، والدُّلجةُ: سَيرُ آخرِ اللَّيل، وسَيرُ آخرِ اللَّيل مَحمودٌ في سَيرِ الدُّنيا بالأبدانِ، وفي سَيرِ القُلوبِ إلى اللهِ بالأعمالِ. وقال: وَشيءٍ مِن الدُّلجةِ، ولم يقُلْ: والدُّلجة؛ تَخفيفًا؛ لمَشقَّةِ عمَلِ اللَّيل. وصَدَرَ هذا الكلامُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنَّه يُخاطِبُ مُسافرًا يَقطَعُ طَريقَه إلى مَقصدِه، فنَبَّهَه على أوقاتِ نَشاطِه التي يَزْكو فيها عَمَلُه، فشَبَّهَ الإنسانَ في الدُّنيا بالمسافرِ، وكذلك هو على الحَقيقةِ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ انتقالٍ وطَريقٌ إلى الآخرةِ، فنَبَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه أنْ يَغتنِموا أوقاتَ فُرصتِهم وفَراغِهِم
وفي الحديثِ: تَنشيطُ أهلِ الأعمالِ، وتَبشيرُهم بالخيرِ والثَّوابِ المُرتَّبِ على الأعمالِ