الرخصة في ترك القيام 2
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس، فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن: «أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي؟» قال ابن عباس: نعم، ثم جلس
احتِرامُ الرُّوحِ الإنسانيَّةِ الَّتي أودَعَ اللهُ فيها سِرَّ الحياةِ، فيه تَعظيمٌ لخالِقِها سُبحانَه وتعالى
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما: "قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأصحابُه لجِنازةِ يَهوديٍّ"، أي: وقَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للجنازةِ عند مُرورِها، ووقَف أصحابُه لها، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ، "حتَّى تَوارَتْ"، أي: لم يَجلِسْ حتَّى بَعُدَتِ الجِنازةُ واختَفَتْ عن الأعيُنِ، وقد أخرَج النَّسائيُّ مِن حديثِ أنَسٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ جِنازَةً مرَّتْ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقام، فقيل: إنَّها جِنازةُ يهوديٍّ، فقال: إنَّما قُمْنا للملائكةِ"، وقولُهم: "إنَّها جِنازةُ يَهوديٍّ"، بيانٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم واستفهامٌ لِمَا يتَعارَضُ ذلك مع مَفهومِ المخالَفةِ لهم؛ فبيَّن صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ قِيامَه ووقوفَه إنَّما كان تَعظيمًا لِمُرورِ الملائكةِ الَّتي صَحِبَت تلك الجنازةَ، وقد ورَدَت رِواياتٌ أخرى يُخبِرُ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ مِن أسبابِ قيامِه أيضًا: تَعْظيمَ أمْرِ الموتِ، وكذلك تَعْظيمَ أمْرِ النَّفسِ والرُّوحِ الَّتي قبَضَتْها الملائكةُ؛ فمَجموعُ تِلك الأغراضِ كان سبَبًا لقِيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عندَ مُرورِ الجنازةِ
وقد جاء في سُنَنِ النَّسائيِّ، عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه "قامَ لها ثمَّ قعَد"؛ فقيل: إنَّ هذا يَنسَخُ قِيامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لجنازةِ اليهوديِّ، وقيل: إنَّ هذا الأمرَ ليس بنَسْخٍ، ولكنْ هو للدَّلالةِ على أنَّ القِيامَ ليس على الوُجوبِ
وفي الحديثِ: تَعظيمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأمْرِ الموتِ، حتى إنْ كان الميِّت غيرَ مُسلِمٍ