الزكاة

سنن النسائي

الزكاة

 أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن القاسم، عن مالك، قال: حدثني أبو سهيل، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يفهم ما يقول حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل علي غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطوع». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيام شهر رمضان» قال: هل علي غيره؟ قال: «لا إلا أن تطوع». وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع». فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق»

الصِّدقُ في الإتيانِ بشَرائعِ الإسلامِ وأركانِه على الوجْهِ الذي يَنْبغي مع الإخلاصِ فيها؛ هو سبيل النَّجاحِ والفلاحِ، وسببُ النجاةِ مِن هَولِ يومِ القِيامةِ

وفي هذا الحديثِ يَروي طَلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه رجُلًا جاءَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أهلِ نَجدٍ، وهي أرْضُ العربِ ما بيْن الحِجازِ والعراقِ، والرَّجلُ هو: ضِمامُ بنُ ثَعلبةَ، وكان شَعَرُ رَأسِه مُنتفِشًا مِن أثَرِ السَّفرِ، وله صَوتٌ عالٍ لا يُفهَمُ منه شَيءٌ، حتَّى اقتَرَب مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هو يَسأَلُه عن شَرائعِ الإسلامِ، فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ أوَّلَ ما يَجِبُ عليه مِن أعمالِ الإسلامِ هو الصَّلواتُ الخَمسُ في كلِّ يَومٍ ولَيلةٍ، فقال: هل يَجِبُ علَيَّ مِن الصَّلاةِ غيرُ هذه الصَّلواتِ الخَمسِ؟ فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَجِبُ عليك مِن الصَّلواتِ غيرُها، إلَّا أنْ تَتطَوَّعَ بشيء مِن الرَّواتبِ والسُّننِ؛ فإنَّه مُستحَبٌّ تُثابُ عليه ولا تُعاقَبُ على تَرْكِه.ثمَّ ذكَرَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصِّيامَ، وأنَّه يَجِبُ عليه صِيامُ رمضانَ، والصِّيامُ هو: الإمساكُ بنيَّةِ التَّعبُّدِ عن الأكلِ والشُّربِ، وسائرِ المُفطِراتِ، وغِشيانِ النِّساءِ، مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشَّمسِ. فقال: هل علَيَّ غيرُه؟ قال: لا يَجِبُ عليك غيرُه، إلَّا أن تَتطوَّعَ، فتَصومَ أيَّامًا في غيرِ رَمضانَ؛ فإنَّه مُستحَبٌّ تُثابُ عليه. ثمَّ ذكَرَ له الزَّكاةَ، وهي عِبادةٌ ماليَّةٌ واجِبةٌ في كُلِّ مالٍ بلَغَ المِقدارَ والحدَّ الشَّرعيَّ، وحالَ عليه الحَوْلُ -وهو العامُ القمَريُّ «الهِجريُّ»- فيُخرَجُ منه رُبُعُ العُشرِ، وأيضًا يَدخُلُ فيها زَكاةُ الأنعامِ والماشيةِ، وزَكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، وعُروضِ التِّجارةِ، وزَكاةُ الرِّكازِ، وهو الكَنزُ المدفونُ الَّذي يُستخرَجُ مِنَ الأرضِ، وقيل: المعادِنُ، بحَسَبِ أنْصابِها، ووَقتِ تَزكيتِها. وفي إيتاءِ الزَّكاةِ على وَجهِها لِمُستحِقِّيها زِيادةُ بَرَكةٍ في المالِ، وجَزيلُ الثَّوابِ في الآخرةِ، وللبُخلِ بها ومَنعِها مِن مُستحقِّيها عَواقبُ وخِيمةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، بيَّنَتْها نُصوصٌ كثيرةٌ في القُرآنِ والسُّنةِ، وهي تُصرَفُ لِمُستحقِّيها المذكورينَ في قولِه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].فسَأَلَ الرجُلُ وقال: هل علَيَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا إنْ تَصدَّقْتَ بغيرِها فهو تَطوُّعٌ تُثابُ عليه، لا واجبٌ تَأثَمُ بتَرْكِه، فأدْبَرَ الرَّجلُ وهو يُقسِمُ باللهِ أنَّه لا يَزيدُ على هذه الفَرائضِ بفِعلِ شَيءٍ مِن النَّوافلِ، ولا يَترُكُ شَيئًا منها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أفلَحَ إنْ صدَقَ، أي: إذا صدَقَ في قولِه هذا، فأدَّى هذه الأركانَ مُخلِصًا للهِ تعالَى؛ فقدْ فاز بالجنَّةِ، ونَجا مِن النَّارِ ولو لم يَأتِ مِن النَّوافلِ شيئًا

وفي الحديثِ: أنَّ الإنسانَ إذا اقتَصَر على الواجِبِ في الشَّرعِ فإنَّه مُفلِحٌ، ولكنْ لا يَعْني هذا أنَّه لا يُسَنُّ أنْ يَأتيَ بالتَّطوُّعِ؛ لأنَّ التَّطوُّعَ تُكمَّلُ به الفرائضُ يومَ القِيامةِ