الصلاة على المنبر
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو حازم بن دينار: أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إني لأعرف مم هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة - قد سماها سهل -: «أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس». فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي فصلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي»
كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ في أصحابِه وهو قائمٌ على قَدَمَيه، ويَستنِدُ على جِذعِ نخْلٍ، فلمَّا كثُرَ النَّاسُ بَدا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتَّخِذَ مِنبرًا مِن خَشَبٍ يَقِفُ ويَجلِسُ عليه أثناءَ خُطبِه
وفي هذا الحديثِ ذِكرٌ لقِصَّةِ اتِّخاذِ المِنبرِ، فيَحْكي التابعيُّ أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دِينارٍ، أنَّ رِجالًا أَتَوا إلى الصَّحابيِّ الجَليلِ سَهْلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ رَضيَ اللهُ عنه يَسأَلونَه عن المِنبرِ النَّبويِّ الَّذي اتَّخَذه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذَكَرَ لهم سَهْلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ إلى امْرأةٍ قدْ سمَّاها سَهْلٌ -وقدِ اختُلِفَ في اسمِها؛ فقيل: عائِشةُ، وقيل: مِيناسُ، وهي مِن الأنصارِ، كما في رِوايةٍ للبُخاريِّ، وفي رِوايةٍ أُخرى للبُخاريِّ أنَّها مِن المهاجِرينَ- كان لها خادمٌ نَجَّارٌ، فقال لها: مُرِي غُلامَك -أي: اطلُبي منه- أنْ يَصْنَعَ لي مِنبرًا؛ لكي أجْلِسَ عليه حِين أكَلِّمُ النَّاسَ
وجاء في صَحيحِ البُخاريِّ مِن حَديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ قالَتْ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا أجْعَلُ لكَ شيئًا تَقْعُدُ عليه؟ فإنَّ لي غُلَامًا نَجَّارًا قالَ: إنْ شِئْتِ..»، فيُجمَعُ بيْنهما بأنَّها طَلَبَت مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلًا، ثمَّ أرْسَلَ لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُوافِقًا لها، وآمِرًا إيَّاها أنْ تَصنَعَه له
فأجابتِ المرأةُ، وأمَرَت غُلامَها أنْ يَصنَعَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المِنبرَ مِن طَرْفاءَ، جمْعُ طَرَفةَ، وهي شَجرةٌ مِن شَجَرِ الصَّحراءِ، والغابةُ: مَوضعٌ مِن عَوالي المدينةِ مِن جِهةِ الشامِ، وكانت على بُعدِ تِسعةِ أمْيالٍ (14 كم) مِن المَدينةِ، ثمَّ لمَّا فَرَغَ الخادمُ منه، أرْسَلَت المرأةُ به إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأَمَرَ به فوُضِعَ مَكانَه مِن المسجدِ، فجَلَسَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: الاستعانةُ بأهْلِ الصِّناعاتِ والمَقْدِرةِ في كُلِّ شَيءٍ يَشْمَلُ المسلِمينَ نَفْعُه