الطلاق بالإشارة المفهومة
سنن النسائي
أخبرنا أبو بكر بن نافع، قال: حدثنا بهز، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: «كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جار فارسي طيب المرقة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعنده عائشة، فأومأ إليه بيده أن تعال، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أي وهذه، فأومأ إليه الآخر هكذا بيده، أن لا مرتين أو ثلاثا»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَميلَ المعاشَرةِ لزوجاتهِ؛ يُحسِنُ إليهنَّ ويُفيضُ عليهنَّ ممَّا رَزَقه اللهُ سُبحانه، وكان يُحِبُّ أنْ يُدخِلَ عليهنَّ الفرَحَ والسُّرورَ
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ جارًا لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُنسَبُ إلى فارسَ إحدى الممالِكِ القديمةِ- كان طيِّبَ "الْمَرَقِ"، وهو الماءُ الَّذي يَغلي ويُطبخُ معه اللَّحمُ وكان يُجيدُ طَهْيَه ومَذاقَه، فصَنَعَ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضًا مِن الطَّعامِ والمرَقِ، ثُمَّ جاءَ يدَعوه ليَأكُلَ منه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وهذه؟ لِعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، يَطلُبُ منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الإذنَ في دَعوةِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أيضًا، فلم يَأذَنْ لها الرَّجلُ، ولعلَّ السَّببَ في رَفضِه أنَّه ما صَنعَ إلَّا قَدْرَ ما يَكفِي النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكَرَّر الرَّجلُ دَعْوتَه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَطلُبُ منه الإذنَ لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، والرَّجلُ لا يَأذَنُ لها، ولعلَّ هذا مِن مَكارمِ أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحُبِّه لِعائشةَ أنْ تُشارِكَه طَيِّبَ الطَّعامِ، ويَحتمِلُ لأنَّ الدَّعوةَ كانت في حُضورِها، فلمْ يَرغَبِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُجيبَ إلى طَعامٍ دُونَها
ثُمَّ عادَ الرَّجلُ يدْعُوه مرَّةً ثالثةً، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وهذه؟ فأذِنَ لها الرَّجلُ، فقَامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعائشةُ رَضيَ اللهُ عنها إلى بَيتِ الفارسيِّ "يَتَدافَعانِ"، أي: يَمشيانِ بِسرعةٍ كأنَّ أحدَهما يَدفَعُ الآخَرَ إلى الوراءِ بتَقدُّمِه عليه أو يَمشي أحدُهما خلْفَ الآخَرِ حتَّى أَتَيا مَنزلَه
وفي الحديثِ: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إجابةَ الدَّعوةِ
وفيه: بيانُ الأعذارِ في تَرْكِ إجابةِ الدَّعوةِ
وفيه: تَطييبُ الأطعمةِ والاعتناءُ بها
وفيه: فَضلٌ ومَنقبةٌ لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها