الفقير المختال 2
سنن النسائي
أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة يبغضهم الله عز وجل: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر "
العُصاةُ والمُذنِبون يَتفاوتُونَ بحَسَبِ الدَّواعِي الحاملةِ لهم على ارْتكابِها؛ فمَن ارْتكبَها مع ضَعْفِ الداعي دلَّ على أنَّ في نَفْسِه مِن الشرِّ الذي يَستحقُّ به من الوعيدِ ما لا يَستحقُّه غيرُه ممَّن قَوِي داعي المعصيةِ عندَه
وفي هذا المعنى يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أربعةٌ يُبغِضُهم اللهُ"، أي: يَكرهُهم اللهُ، ومَن كرِهَه يُعذِّبُه ويُحلُّه دارَ الهوانِ "البيَّاعُ الحلَّافُ"، أي: الَّذي يُكثِرُ الحلِفَ على سِلعَتِه وهو كاذِبٌ، ولَفظَتَا (البيَّاع الحلَّاف)، كِلتاهما صِيغةُ مُبالغةٍ، فأفادَ ذلك أنَّه اعتادَ هذا الأمرَ وأكْثَرَ منه في تِجارتِه؛ ليُنفِّقَ سِلعتَه بالأيمانِ، فيَتَهاونَ بأيمانِ اللهِ ويُغرِّر المشتريَ، "والفقيرُ المختالُ"، أي: الفقيرُ المتكبِّرُ المعجَبُ بنَفْسِه، والاختيالُ والتَّكبُّرُ منهيٌّ عنهما، وخصَّ الفقيرَ مع أنَّه محرَّمٌ على الغنيِّ أيضًا إلَّا أنَّه من الفقيرِ أقبحُ؛ إذِ الفقرُ يَقتضي الانكسارَ والذِّلَّةَ والمسكنَةَ؛ فالتَّكبُّرُ منه أقبحُ من الغنيِّ
قال: "والشَّيخُ الزَّاني"، أي: الشَّخصُ الَّذي طَعَن في السِّنِّ وهو مُصرٌّ على الزِّنا؛ فصُدورُ الزِّنا منه أقبحُ من صُدورِه من الشَّبابِ؛ لأنَّه في سِنٍّ قد انكَسرتْ معها منه قوَّةُ الشَّهوةِ ودنتْ منه المنِيَّةُ، وذهَب منه الشَّبابُ الَّذي هو شُعبةٌ من الجُنونِ، وقوةُّ الشَّهوةِ الدَّاعيةُ إلى التَّفكيرِ في الأمرِ، على أنَّ الزِّنا محرَّمٌ على الجميعِ
"والإمامُ الجائرُ"، أي: الحاكِمُ المائلُ في حُكمِه عن الحقِّ العَادِلِ إلى الباطلِ؛ لأنَّ الجَورَ منه أقبحُ من غيرِه؛ لأنَّه مع تَمكُّنِه وبسْطِ يدِه في الأقطارِ يكونُ أقْدَرَ على المعاملةِ بالعدلِ
وفي الحديثِ: التحذيرُ الشَّديدِ مِن تِلكَ الأمورِ المذكورةِ، خُصوصًا لِمَن ضَعُف عِندَه الداعي إلى الوُقوعِ فيها؛ لأنَّها سَببٌ لبُغضِ اللهِ عزَّ وجلَّ لهَؤلاءِ