القسامة في الجاهلية 2
بطاقات دعوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يا أيها الناس! اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس، قال ابن عباس؛ من طاف بالبيت؛ فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا: الحطيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي (30) سوطه أو نعله أو قوسه.
حَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرامِ رُكنٌ مِن أرْكانِ الإسْلامِ الخَمسةِ، وقدْ كان شَريعةَ خَليلِ الرَّحمنِ إبْراهيمَ عليه السَّلامُ، واقْتَدى به العرَبُ مِن بَعدِه، غيرَ أنَّهم غيَّروا وبدَّلوا، فجاء الإسْلامُ فأقَرَّ ما كان صَوابًا مِن فِعلِهم، وأبطَلَ ما أدْخَلوه مِن أباطيلَ وأوْهامٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي التَّابِعيُّ كُرَيبٌ مَوْلى عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: ليس المَشيُ الشَّديدُ السَّريعُ ببَطنِ الوادي بيْنَ الصَّفا والمَرْوةِ سُنَّةً عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو الوادي الَّذي يقَعُ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ، وهو أقرَبُ للصَّفا منه إلى المَرْوةِ، ومُيِّزَ اليومَ بشَريطٍ مِنَ المَصابيحِ الخَضْراءِ في السَّقفِ؛ عَلامةً على أنَّ الإسْراعَ يَبْدأُ على طولِ هذا الشَّريطِ.
وقال: «إنَّما كان أهلُ الجاهِليَّةِ يَسعَوْنَها»، أي: يَمْشونَها مَشيًا شَديدًا، «ويَقولونَ: لا نُجيزُ البَطْحاءَ إلَّا شَدًّا»، أي: لا نَقطَعُ مَسيلَ الوادي إلَّا بقوَّةٍ وعَدْوٍ شَديدٍ.
ولم يَنفِ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما سُنِّيَّةَ السَّعيِ المُجرَّدِ، بل نَفَى شدَّةَ المَشيِ والإسْراعَ فيه؛ إذ أصْلُ السَّعيِ سُنَّةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ بلْ رُكنٌ في الحَجِّ والعُمرةِ.
وقد خالَفَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في هذا ما عليه جُمهورُ العُلَماءِ مِن مَشْروعيَّةِ الإسْراعِ في هذا المَوضِعِ مِنَ المَسْعى. وعندَ مُسلِمٍ مِن حَديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما في حَجَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «ثمَّ نزَل إلى المَرْوةِ، حتَّى إذا انصَبَّتْ قَدَماه في بَطنِ الوادي سَعى، حتَّى إذا صَعِدَتا مَشى، حتَّى أتى المَرْوةَ، ففَعَل على المَرْوةِ، كما فعَل على الصَّفا».
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَذهَبِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في صِفةِ السَّعيِ بيْن الصَّفا والمَرْوةِ.
وفيه: أنَّ فِعلَ الجاهِليَّةِ -وإنْ كان موافِقًا لِما فعَلَه المُسلِمونَ في الصُّورةِ- فقد خالَفَه في القَصدِ.