الكفارة بعد الحنث 4
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن منصور، عن سفيان، قال: حدثنا أبو الزعراء، عن عمه أبي الأحوص، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت ابن عم لي أتيته أسأله فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج إلي فيأتيني فيسألني، وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله، «فأمرني أن آتي الذي هو خير، وأكفر عن يميني»
حَثَّ الإسلامُ على صِلةِ الرَّحِمِ، والبِرِّ والإحسانِ إلى ذَوي القُربَى، والنَّفقةِ عليهم، والرَّأفةِ بهم، وإنْ هم قطَعوها وامتنَعوا عن الوَصْلِ
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ مالكُ بنُ نَضْلَةَ رَضِي اللهُ عَنه: "يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ ابنَ عمٍّ لي، أتَيْتُه أسأَلُه، فلا يُعطيني"، أي: أسأَلُه حاجةً لي أن يَقضيَها، فلا يستجيبُ لي، ويمتنِعُ عن إعطائي ما سأَلْتُه، "ولا يَصِلُني"، أي: لا يَزُورني، ولا يُحسِنُ إلَيَّ، ويكونُ مُقاطِعًا لي، "ثمَّ يحتاجُ إليَّ فيأتيني فيَسأَلُني"، أي: فما أنْ تكونَ له حاجةٌ عندي حتَّى يَجيءَ إليَّ سائِلًا إيَّايَ قَضاءَ حاجتِه بعدَما فعَل معي كلَّ هذا مِن الإساءةِ والمقاطعةِ، "وقد حلَفْتُ ألَّا أُعطِيَه"، أي: أقسَمْتُ يَمينًا ألَّا أُقدِّمَ له شيئًا بما سبَق منه، "ولا أصِلَه؟"، أي: وأقاطِعَه مثلَما فعَل معي، ومرادُ مالكِ بنِ نَضْلةَ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّه يسأَلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن حُكمِ يمينِه وحُكمِ ما عزَم عليه في حقِّ ابنِ عمِّه؛ فأعْلِمْني وأخبِرْني يا رسولَ اللهِ ماذا أفعل معه؟
قال مالكُ بنُ نَضْلةَ رَضِي اللهُ عَنه: "فأمَرَني أنْ آتِيَ الَّذي هو خيرٌ"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أرشَدني ونصَحني أنْ أفعَلَ خِلافَ ما أقسَمْتُ عليه مِن القَطيعةِ وعدمِ البِرِّ، وأُقدِمَ على ما فيه خيرٌ؛ مِن العَطاءِ والصِّلةِ والبِرِّ، "وأُكفِّرَ عن يميني"، وكفَّارةُ اليَمينِ هي ما يكونُ على الَّذي يَحنَثُ في يمينِه، أي: يُخالِفُ مَضمونَ ما حلَف عليه؛ تكفيرًا لِحِنْثِه في يمينِه، وهذه الكفَّارةُ هي: عِتْقُ رقبةٍ، أو إطعامُ عشَرةِ مساكينَ مِن أوسطِ ما يُطعِمُ أهلَه، أو كِسوَتُهم، وهم الفقراءُ مِن المسلِمينَ الَّذين لا يجِدونَ ما يَكفيهم، فإذا لم يَستطِعِ الإعتاقَ، أو الإطعامَ، أو الكِسوةَ، فإنَّه يَصومُ ثلاثةَ أيَّامٍ، وهي على التَّخييرِ في الإطعامِ والكِسوةِ والعِتقِ، وعلى التَّرتيبِ بين الثَّلاثةِ المذكورةِ وبين الصِّيامِ