النهي عن اتخاذ القبور مساجد 2
سنن النسائي
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي، عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا تيك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أمَرَ بعضَ أصحابِه بِالهجرِة إلى الحَبشةِ؛ فِرارًا بدِينِهم ونشْرًا لدَعوةِ الحَقِّ؛ لأنَّ ملِكَها النَّجاشيَّ كان رجُلًا عادلًا، وكانتْ أمُّ سَلَمةَ، وأمُّ حَبِيبةَ رَضيَ اللهُ عنْهما ممَّن هاجَر إلى تلك الأرضِ
وفي هذا الحَديثِ تُوضِّحُ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها بعضَ ما ما شاهَدَ بعضُ نِسائِه هناك، وإرشادَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك حِمايةً لجَنابِ التوحيدِ؛ فتُخبِرُ أنَّه لَمَّا اشتَكى النبيُّ صلَّى الله علَيه وسلَّم ومَرِضَ مَرَضَه الَّذي ماتَ فيه، ذَكَرَت بعضُ نِسائِه كَنيسةً، وهي: مَعبَدُ النَّصارى، كُنَّ رَأيْنَها بأرضِ الحَبَشةِ، يُقالُ لها مَاريةُ، وهو اسمٌ يُنسَبُ إلى مَريمَ عليها السَّلامُ، وهو عَلَمٌ لِلكَنيسةِ، فذَكَرَت أمُّ سلَمةَ وأمُّ حبيبةَ رَضيَ اللهُ عنهما ما رَأيَاهُ مِن حُسنِها وجمالِها وما فيها مِن صوَرٍ، فرَفَعَ صلَّى الله علَيه وسلَّم رَأسَه، فقالَ: أُولئك إذا مات مِنهُم الرَّجُلُ الصَّالحُ، بنَوْا على قَبرِه مَسجِدًا، ثُمَّ صَوَّروا في ذلك المَسجِدِ تلك الصَّورةَ الَّتي ماتَ صاحِبُها، وإنَّما صَوَّر أوائلُهمُ الصَّالحينَ ليَستأنِسوا بها، ويَتذكَّروا أفعالَهمُ الصَّالحةَ، فيَجتهدوا كاجتِهادِهم، ويَعبُدوا اللهَ عندَ قُبورِهم، ثمَّ خلَفَهم قَومٌ جَهِلوا مُرادَهم، ووَسْوَسَ لهم الشَّيطانُ أنَّ أسلافَهم كانوا يَعبُدون هذه الصوَرَ، فحذَّرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مِثلِ ذلك؛ سدًّا لِلذَّريعةِ المؤَدِّيةِ إلى الشِّركِ بالله، ثمَّ أخبَرَ أنَّ أُولئكَ هُم شِرارُ الخَلقِ عِندَ اللهِ تعالَى بسَببِ ما فَعَلوه؛ لأنَّه يُؤدِّي إلى أعظمِ ذَنبٍ، وهو الشركُ باللهِ تعالَى
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اتِّخاذِ التَّصاويرِ في أماكِنِ العِبادةِ
وفيه: النَّهيُ عن بِناءِ المَساجِدِ على القُبورِ
وفيه: حِكايةُ ما يُشاهِدُه المَرءُ مِن العَجائِبِ
وفيه: ذَمُّ فاعِلِ المُحرَّماتِ