باب كتاب المغازي
بطاقات دعوية
عن المقداد بن عمرو الكندي -وكان حليفا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار, فاقتتلنا، فضرب إحدى يدى بالسيف، فقطعها، ثم لاذ منى بشجرة، فقال: أسلمت لله؛ آقتله يا رسول الله! بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقتله». فقال يا رسول الله! إنه قطع إحدى يدى، ثم قال ذلك بعد ما قطعها! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال».
قَتلُ النَّفْسِ الَّتي حرَّمَ اللهُ -إلَّا بالحَقِّ- مِن الكَبائِرِ، وقد أوضَحَ الشَّرعُ الأسبابَ الَّتي يُشرَعُ فيها قَتْلُ النَّفْسِ؛ ومنها: الَّذين يُقاتِلونَ المُسلِمينَ مِن الكُفَّارِ، فإنْ أسلَمَ واحِدٌ مِنَ الكُفَّارِ أثْناءَ المَعرَكةِ، فقدْ عصَمَ دَمَه
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي المِقْدادُ بنُ الأسوَدِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَألَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ إذا لَقيَ رَجلًا مِن الكُفَّارِ في المَعرَكةِ، فتَبارَزا بالسُّيوفِ، واقْتَتَلا حتَّى أصابَ الكافِرُ إحْدى يَدَيْه بالسَّيفِ فقطَعَها، ثمَّ إنَّ الكافِرَ فرَّ منه، والتَجَأَ وتَحصَّنَ بشَجرةٍ، وقال: أسلَمْتُ للهِ، أي: دخَلْتُ في الإسْلامِ، وانقَدْتُ لأمْرِ اللهِ؛ أيحِلُّ له قَتْلُه بعْدَ أنْ قطَعَ يَدَيْه، وبعْدَ أنْ قال ما يُفيدُ دُخولَه الإسْلامَ؟ فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تَقتُلْه، فقال المِقْدادُ مُتعجِّبًا أو مُلِحًّا في طلَبِ إباحةِ قَتلِه-: «يا رَسولَ اللهِ، إنَّه قطَعَ إحْدى يَدَيَّ»، ومعَ هذا لا أتعَرَّضُ له؟! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تَقتُلْه، فنَهاه عنِ القَتلِ والتَّعرُّضِ له ثانيًا
ثمَّ حذَّرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إنْ قَتَلَ الرَّجلَ بعْدَ إسْلامِه؛ فإنَّ المقتولَ سيَكونُ بمَنزِلةِ القاتلِ قبْلَ أنْ يَقتُلَه، أي: يُصبِحُ شَهيدًا؛ لأنَّه صار مُسلِمًا مَعصومَ الدَّمِ، وأنَّ القاتلَ سيَصيرُ بمَنزِلة المقتولِ قبْلَ أنْ يَقولَ كَلمتَه: «أسلَمْتُ للهِ»، الَّتي قالـها، أي: إنَّ دَمَهُ صارَ مُباحًا بالقِصاصِ، كما أنَّ دَمَ الكافِرِ مُباحٌ باعْتِدائِه، وقِتالِه المسلمينَ بحقِّ الدِّينِ؛ فوَجْهُ الشَّبَهِ إباحةُ الدَّمِ، وإنْ كان المُوجِبُ مُختلِفًا، أو المعنى: إنَّكَ تَكونُ آثِمًا كما كان هو آثِمًا في حالِ كُفرِه، فيَجمَعُكما اسمُ الإثْمِ، وإنْ كان سَببُ الإثْمِ مُختلِفًا
وفي الحَديثِ: التَّشديدُ على حُرْمةِ دَمِ المُسلِمِ
وفيه: أنَّ نُطقَ الإنْسانِ بكَلمةِ التَّوْحيدِ وإقْرارَه بالإسْلامِ، يَعصِمُ دَمَه