باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها
بطاقات دعوية
حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون: أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا عند ربنا؛ فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ويقول ائتوا نوحا، أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا، فيأتونه فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا موسى الذي كلمه الله؛ فيأتونه فيقول لست هناكم، فيذكر خطيئته، ائتوا عيسى، فيأتونه فيقول لست هناكم، ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني، فأستأذن على ربي، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال ارفع رأسك، سل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني؛ ثم أشفع فيحد لي حدا، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة؛ ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن
في هذا الحديث إثبات كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه، وإثبات الشفاعة العامة له صلى الله عليه وسلم، والشفاعة العامة هي شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل المحشر جميعا أن يبدأ الحساب، فيروي أبو هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة وضيافة على طعام، فقدم الداعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذراع الشاة، وهي اليد الأمامية من الذبيحة مع الكتف، وكانت تعجبه؛ لنضجها وسرعة استمرائها، مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها، وبعدها عن مواضع الأذى، فنهس منها نهسة، أي: قطع منها بأسنانه، ثم قال: أنا سيد القوم يوم القيامة، والسيد هو الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد، وخص يوم القيامة بالذكر لارتفاع سؤدده وتسليم جميع الخلق له، ولكون آدم عليه السلام وجميع ولده تحت لوائه، وهذا لا ينافي السيادة في الدنيا؛ فهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة
ويعلل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بما يحدث يوم القيامة؛ فإن الناس يجمعون في صعيد واحد -أي: أرض واحدة- بحيث إن الناظر يراهم ببصره؛ لأن الأرض تكون مستوية يومئذ، ولا حجب تمنع الرؤية، ويسمعهم الداعي، فإذا صرخ فيهم صارخ سمعوه جميعا، وتقترب يومئذ الشمس من الرؤوس، فيشتد الموقف والهول على أهل المحشر، ويسأل بعضهم بعضا عمن يشفع لهم عند الله تعالى ليبدأ الحساب، فيقول بعضهم: اذهبوا لآدم، فيأتونه ويقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وإضافة النفخ إلى روح الله لتشريفه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، ويطلبون منه الشفاعة عند الله، فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وذلك مما يظهر من انتقامه سبحانه ممن عصاه، ومما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها، ثم يذكر لهم آدم ذنبه، وأنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، وينصحهم بالذهاب إلى نوح عليه السلام، فيذهبون لنوح عليه السلام، ويقولون له: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، ويذكر الناس لنوح عليه السلام بعض مناقبه وأن الله سماه عبدا شكورا، ويطلبون منه الشفاعة، فيقول لهم مثل ما قال آدم عليه السلام، وينصحهم بالذهاب إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، قيل: إن نسبة: «ائتوا النبي صلى الله عليه وسلم» إلى نوح عليه السلام وهم، كما ذكر محمد بن عبيد -أحد رواة الحديث- في نهاية الرواية أنه لا يحفظ باقي الحديث، وإنما دلهم على إبراهيم، وإبراهيم دلهم على موسى، وموسى دلهم على عيسى، وعيسى دلهم على النبي محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام، كما بينت الروايات والأحاديث في الصحيحين.
فيأتون نبينا صلى الله عليه وسلم، ويطلبون منه الشفاعة، فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم، ويسجد تحت عرش الرحمن، ومن فضل الله عليه في الآخرة أيضا: أنه يلهمه ويلقي في نفسه المحامد التي يحبها من عباده، فتكون قربة إليه سبحانه، ثم ينادي عليه المولى تبارك وتعالى: يا محمد، ارفع رأسك من السجود، واشفع تشفع، أي: اطلب الشفاعة لمن شئت؛ فإن شفاعتك مقبولة فيهم، وسل تعطه، أي: اطلب ما شئت؛ فإنه مجاب لك ما تريده، فيقبل الله شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: شدة هول الموقف يوم القيامة
وفيه: إثبات صفة الغضب لله عز وجل، وهي على ما يليق به سبحانه
وفيه: إثبات عرش الرحمن الذي استوى عليه جل جلاله استواء يليق بجلاله، وهو أعلى المخلوقات وأكبرها وأعظمها