باب أين تصدق الأموال
حدثنا الحسن بن على حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال سمعت أبى يقول عن محمد بن إسحاق فى قوله « لا جلب ولا جنب ». قال أن تصدق الماشية فى مواضعها ولا تجلب إلى المصدق والجنب عن غير هذه الفريضة أيضا لا يجنب أصحابها يقول ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه ولكن تؤخذ فى موضعه.
كان مجتمع العرب قبل الإسلام يموج بالجاهلية والأفعال القبيحة والتخلف الإنساني، فلما جاء الإسلام نهى عن تلك القبائح، وذم عادات الجاهلية، وقوم المجتمع وهذب أركانه. وفي هذا الحديث بيان بعض تلك الأمور، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا جلب"، أي: ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلب، والجلب نوعان: نوع في السباق، ونوع في الزكاة؛ فأما الذي في السباق فهو فعل كانت العرب تفعله في مضمار السباق؛ حيث كان المتسابق يجلب بجانب فرسه الذي يسابق عليه رجلا يزجره ويحركه ويحثه على الجري والإسراع، وقيل: أن يزجر الفارس فرسه برفع الصوت في السباق، فيكون الزجر بالسوط وتحريك اللجام فقط، لا برفع الصوت، وأما الذي في الزكاة فهو أن يكون العامل الذي يقبض الزكاة نازلا في مكان بعيد عن أموال الناس وأملاكهم، فيطلب من أصحاب الأموال جلب تلك الأموال إليه، فيتسبب بذلك في حصول مشقة لهم إن كانت أماكن المرعى بعيدة عن مكانه. "ولا جنب"، أي: ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنب، والجنب نوعان كذلك: نوع في السباق، ونوع في الزكاة؛ فأما الذي في السباق فهو فعل كانت العرب تفعله في السباق أيضا، حيث كان المتسابق على الفرس يجعل معه في مضمار السباق فرسا آخر يجري بجانبه، فإذا ضعف الفرس الذي هو عليه أو تعب ركب الفرس الآخر الذي بجانبه، وأما الذي في الزكاة فهو أن يبعد رب المال ماله عن العامل الذي يأتي فيأخذ الزكاة؛ حتى يضطره رب المال إلى اتباعه واللحوق به ... "ولا شغار في الإسلام"، أي: ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وهو نوع من أنواع النكاح التي كانت موجودة في الجاهلية، ومعناه أن يزوج رجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يتزوج الآخر هذا ابنة الأول أو أخته، ولا يدفع هذا ولا ذاك مهرا. ... ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ومن انتهب نهبة فليس منا"، أي: من أخذ شيئا بغير حق أو اختلس شيئا اختلاسا فليس على طريقة المسلمين، وهديهم المأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا تهديد ووعيد شديد لمن فعل هذا الفعل