باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر أنه قال يا رسول الله الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم. قال « أنت يا أبا ذر مع من أحببت ». قال فإنى أحب الله ورسوله. قال « فإنك مع من أحببت ». قال فأعادها أبو ذر فأعادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقت قيام الساعة من الغيبيات التي استأثر المولى سبحانه وتعالى بها، ولم يطلع عليه أحدا؛ ولذلك فإن المؤمن لا ينشغل بموعد قيامها، وإنما يجب أن تنصرف همته إلى زاده إليها وما أعد لها من العمل
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية -وهو الذي يسكن الصحراء- قيل: هو ذو الخويصرة اليماني، وهو الذي بال في المسجد؛ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك! وما أعددت لها؟»، والويل هو الدعاء بالهلاك، وليس مقصودا هنا، وإنما هو تعنيف من النبي صلى الله عليه سلم؛ لينشغل بالأصلح له -وهو العمل الصالح- لا بموعد قيام الساعة
فقال له الرجل بعد أن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: «ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله»، ولم يذكر غيرها من العبادات القلبية والبدنية والمالية؛ لأنها كلها فروع للمحبة مترتبة عليها، ولأن المحبة هي أعلم منازل السائرين، وأعلى مقامات الطائرين؛ فإنها باعثة لمحبة الله أو نتيجة لها، فقال له صلى الله عليه وسلم: «إنك مع من أحببت»، أي: معهم في الجنة. وليس المراد بالمعية التساوي في الدرجة والمنزلة، بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وإن بعد المكان؛ لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا، وإذا أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك
فقال الصحابة رضوان الله عليهم: «ونحن كذلك»، أي: نحن أيضا نحب الله ورسوله، فهل نكون مع من أحببنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم»، ففرحوا بذلك فرحا شديدا
ثم أخبر أنس رضي الله عنه أن غلام المغيرة بن شعبة -وهو مملوكه دون سن البلوغ والتكليف، واسمه محمد، وقيل: سعيد- مر عليهم، وكان من أقران أنس بن مالك رضي الله عنه، أي: مقارب له في عمره، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أخر هذا» أي: إن عاش ولم يمت في صغره، «فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة»، أي: ساعة الحاضرين عنده، يعني موتهم؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان قربها، أو أنه علم أن هذا الغلام لا يعيش حتى يكبر في العمر
وفي الحديث: فضل حب الله ورسوله والصالحين من المؤمنين
وفيه: ضرورة انشغال المسلم بالأصلح والأنفع له، وترك السؤال عما لا ينفعه
وفيه: مخاطبة الناس على قدر عقولهم
وفيه: أن الساعة قد تطلق ويراد بها الموت