باب إذا أحصر المعتمر
بطاقات دعوية
عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله أخبراه: أنهما كلما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ليالى نزل الجيش (وفي رواية: عام نزل الحجاج 2/ 168) بابن الزبير، (وفي أخرى: عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير رضي الله عنهما 2/ 184)، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، [إن الناس كائن بينهم قتال، و] إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، (وفي رواية: أن يصدوك [عن البيت، فلو أقمت])، فقال: [إذن أفعل كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} 2/ 128]، خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[عام الحديبية 2/ 208]، [معتمرين 2/ 207] فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي - صلى الله عليه وسلم - هديه (وفي رواية: بدنه)، وحلق رأسه، وأشهدكم أني قد أوجبت العمرة إن شاء الله، أنطلق، فإن خلي بيني وبين البيت، طفت، وإن حيل بيني وبينه؛ فعلت كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا معه، فأهل بالعمرة من ذي الحليفة، ثم سار ساعة ثم (وفي رواية: حتى إذا كان بظاهر البيداء) [أهل بالحج والعمرة و] قال: إنما شأنهما (وفي رواية: ما شأن الحج والعمرة إلا) واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر، وأهدى [هديا اشتراه بقديد، [حتى قدم فطاف بالبيت وبالصفا]، [فطاف لهما طوافا واحدا]، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر، وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -2/ 168] وكان يقول: لا يحل حتى يطوف طوافا واحدا يوم يدخل مكة. (وفي رواية عنه: قال أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إن حبس أحدكم عن الحج؟ طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا، فيهدي أويصوم إن لم يجد هديا)
الحَجُّ رُكنٌ مِن أركانِ الإِسلامِ، وهو عِبادةٌ لِمَن استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتُؤخَذُ جَميعُ أعمالِه مِن سُنَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي نافعٌ، مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أرادَ الحَجَّ عامَ نُزولِ الحَجَّاجِ بابنِ الزُّبَيرِ، وكان ذلك عامَ اثنَيْنِ وسَبعينَ مِنَ الهِجرةِ، عِندَما نَزَلَ الحَجَّاجُ بنُ يوسُفَ الثَّقَفيُّ بأمْرٍ مِن عبدِ الملِكِ بنِ مَرْوانَ لمُحارَبةِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ في مَكَّةَ، وعَزَمَ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما على الحَجِّ في ذلك العامِ، فخِيفَ عليه مِن أنْ يَصُدُّوه ويَمنَعوه عنِ البَيتِ، فتَلا قَولَه تعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وأنَّه سيَفعَلُ كما فَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
ثم أشهَدَهم أنَّه أوجَبَ عُمرةً في أوَّلِ الأمرِ، ثم أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ هي الصَّحراءُ لا شَيءَ بها، والمَقصودُ بها هنا مَكانٌ فَوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ (420 كم)، وأهدَى هَديًا اشتَراه في الطَّريقِ مِن «قُدَيْدٍ»، وهو مَوضِعٌ قَريبٌ مِنَ الجُحْفةِ، وقُدَيدٌ: ماءٌ بالحِجازِ، وهو بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وهو مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرمِ، وإنْ كان داخِلَ الميقاتِ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ المُكرَّمةِ (150 كم)، ويَقَعُ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ منها.
ولم يَنحَرْ، ولم يَحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحلِقْ، ولم يُقَصِّرْ، إلى أنْ جاء يَومُ النَّحرِ، وهو يَومُ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورَأى أنَّه قد قَضى طَوافَ الحَجِّ والعُمرةِ بطَوافِه الأوَّلِ؛ فالقارِنُ يَقتصِرُ على أفعالِ الحَجِّ، وتَندرِجُ أفعالُ العُمرةِ كُلُّها في أفعالِ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ القارِنُ إلَّا يَومَ النَّحرِ.
وفي الحَديثِ: الخُروجُ إلى النُّسُكِ في الطَّريقِ المَظنونِ خَوفُه إذا رَجا السَّلامةَ.
وفيه: اتِّباعُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما سُنَّةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، واقتِفاؤه أثَرَه في أفعالِه.