باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟

بطاقات دعوية

باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟

عن ابن شِهابٍ: يُصَلَّى على كلِّ موْلودٍ مُتوفّىً وإنْ كانَ لِغَيَّةٍ، من أجلِ أنهُ وُلِدَ على فِطرةِ الإسلامِ، يَدَّعي أبوَاهُ الإسلامَ، أو أبوهُ خاصةً، وإنْ كانتْ أُمهُ على غيرِ الإسلامِ، إذا استَهلَّ صارخاً صُلِّيَ عليه، ولا يُصلَّى على مَن لا يَستَهلُّ؛ من أجلِ أنه سِقْطٌ؛ فإنَّ أبا هريرةَ رضي الله عنه كانَ يُحدِّثُ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
"ما مِنْ موْلودٍ إلا يولَدُ على الفِطرةِ، فأَبواهُ يُهوِّدانِه، أوْ يُنصِّرانهِ، أو يُمجِّسانهِ، كما تُنتَجُ البَهِيمَةُ بَهيمةً جمعاءَ، هل تُحِسُّونَ فيها من جَدعاءَ". ثم يقولُ أبو هريرةَ رضي الله عنه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيةَ.

خَلَق اللهُ عزَّ وجلَّ الإنسانَ في أحسَنِ تَقويمٍ، على الفِطْرةِ النَّقيَّةِ الخاليةِ مِن شَوائبِ الكُفرِ، ومِن دَنَسِ المعاصي، ومِن ذَمِيمِ العاداتِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التابعيُّ محمَّدُ بنُ شِهابٍ الزُّهْريُّ أنَّه يُصلَّى على كلِّ مولودٍ مُتوفًّى وإنْ كان "لِغَيَّةٍ" مُشْتَقٌّ مِن الغَوايةِ، ويُقالُ لولدِ الزِّنا: ولدُ الغَيَّةِ، أي: وإنْ كان الولدُ لزانيةٍ أو كافِرةٍ فلا يَمنعُ ذلك مِن الصَّلاةِ عليه؛ لأنَّه محكومٌ بإسلامِه تَبَعًا لأمِّه؛ مِن أجْلِ أنَّه وُلِدَ على فِطرةِ الإسلامِ ومِلَّتِه، يَدَّعِي أبَواهُ الإسلامَ، أو أبوه يدَّعي الإسلامَ خاصَّةً وإن كانتْ أمُّه على غيرِ دينِ الإسلامِ؛ لأنَّه محكومٌ بإسلامِه تَبَعًا لأبيه، فإذا «اسْتَهَلَّ صارخًا» أي: صاحَ الطِّفلُ عندَ الوِلادةِ، صُلِّيَ عليه؛ لأنَّه قد عُلِمَتْ حياتُه عندَ الوِلادةِ بصُراخِه، ولا يُصلَّى على مَن لا يَستهلُّ؛ مِن أجْلِ أنَّه جنينٌ سقَطَ قبْلَ تمامِه. ثمَّ أخبَرَ الزُّهْريُّ أنَّ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه كان يُحدِّثُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ما مِن مَولودٍ مِن بَني آدمَ إلَّا يُولَدُ على الفِطرةِ الإسلاميَّةِ، وقيل: الفِطرةُ هي النَّقاءُ الخالِصُ، والاستِعدادُ لقَبولِ الخَيرِ والشَّرِّ، فلو تُرِكَ المَولودُ على ما فُطِرَ عليه لاستمَرَّ على طُهْرِه، ولم يَخْتَرْ غَيرَ الإسلامِ؛ فهو يُولَدُ مُتهَيِّئًا للإسلامِ، ويَأتي بعْدَ ذلك دَورُ الأبَوَيْنِ والبِيئةِ التي يَنشأُ فيها؛ فالأبَوانِ قد يُعَلِّمانِه اليَهوديَّةَ ويَجْعَلانِه يَهوديًّا، أو يُعَلِّمانِه النَّصرانيَّةَ ويَجْعَلانِه نَصرانيًّا، أو يُعَلِّمانِه المَجوسيَّةَ ويَجْعَلانِه مَجوسيًّا يَعبُدُ النَّارَ مِن دونِ اللهِ، أو لكَونِه تَبَعًا لهما في الدِّينِ يكونُ حُكْمُه حُكمَهما في الدُّنيا، فإنْ سبَقتْ له السَّعادةُ أسلَمَ، وإلَّا مات كافرًا.
ثُمَّ يُمَثِّلُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا المعنَى بوِلادةِ البَهيمةِ سَليمةً مِن العُيوبِ، كاملةَ الأعضاءِ، لا نَقْصَ فيها، ثُمَّ يَحصُلُ فيها النَّقصُ مِنَ الجَدْعِ وغيرِه؛ لأجْلِ تَصرُّفِ الإنسانِ، كذلك الإنسانُ يُولَدُ سَليمًا على الفِطرَةِ، ثُمَّ يَحدُثُ فيه النَّقصُ مِنَ التَّهَوُّدِ والتنصُّرِ وغيرِهما؛ لأجْلِ تصرُّفِ والدَيْهِ، ويُعَقِّبُ أبو هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه -راوي هذا الحَديثِ، بقولِ اللهِ تعالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، أي: خلَقَهم عليها، وهي: قَبولُ الحقِّ، وتمكُّنُهم مِن إدراكِه، أو: مِلَّةُ الإسلامِ؛ فإنَّهم لو خُلُّوا وما خُلِقُوا عليه أدَّاهم إليه؛ لأنَّ حُسنَ هذا الدِّينِ ثابتٌ في النُّفوسِ، وإنَّما يُعدَلُ عنه لآفةٍ مِن الآفات البشريَّةِ؛ كالتَّقليدِ المذمومِ.