باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمى أو الحربى

بطاقات دعوية

باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمى أو الحربى

 عن عائشة - رضى الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتحنهن بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلقن فقد بايعتكن [كلاما، 6/ 61] لا والله؛ ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط [إلا امرأة يملكها] [في المبايعة]؛ غير أنه بايعهن بالكلام، والله؛ ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء إلا بما أمره الله، يقول لهن إذا أخذ عليهن: قد بايعتكن، كلاما.

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوْفَى النَّاسِ بعَهْدٍ عاهَدَهُ أو عَقْدٍ عَقَدَه؛ حتَّى لو كان هذا العَقْدُ مع المشركينَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا كاتَبَ سُهَيْلَ بنَ عَمْرٍو -وهو أحدُ أشرافِ قُرَيْشٍ وخَطِيبُهم، وهو مِن الذين أسلموا عام فتح مكة، وكان مندوب كفار قريش يومَ صُلح الحُدَيْبِيَةِ، في السنة السادسة من الهجرة- كان فيما اشتَرَط سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنَّه لا يَأتِيك مِنَّا أحدٌ»، مِن قُرَيْشٍ «وإنْ كان على دِينِكَ، إلَّا رَدَدْتَه إلينا وخَلَّيْتَ بيْننا وبيْنه»، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَلتَزِمُ بِرَدِّ مَن جاءه مِن قُرَيشٍ مُؤمِنًا، ويَترُكُ أمْرَه إليهم؛ إنْ شاؤوا قَتَلوه، أو فعَلوا معه ما يُريدون، فكَرِه المؤمِنون ذلك وامتَعَضوا منه، أي: أَنِفُوا منه، وشَقَّ عليهم وعَظُم، خاصَّةً وأنَّ المسلمينَ في مَوقفِ قُوَّةٍ، يَحِقُّ لهم -فيما هو ظاهرٌ- أنْ يَرْفُضوا هذا الشَّرطَ، وأبَى سُهَيْلٌ إلَّا أنْ يُكتَبَ ذلكَ الشَّرْطُ، فكاتَبَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ذلكَ، وممَّن رَدَّهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَئِذٍ بهذا الشَّرطِ أبو جَنْدَلٍ، وهو ابنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو، وذلك حينَ حَضَر مِن مَكَّةَ إلى الحُدَيْبِيَةِ، ولم يَأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلَّا رَدَّه إلى قُرَيْشٍ في تلك المُدَّةِ وإنْ كان مُسلِمًا؛ وَفاءً بالشَّرْطِ، وجاء بَعضُ المؤمِناتِ مُهاجِراتٍ، وكانت أُمُّ كُلْثُومٍ بِنتُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خرَجْنَ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَئذٍ وهي عَاتِقٌ، أي: وهي شابَّةٌ أوَّلَ بُلوغِها الحُلُمَ، فجاء أهلُها يَسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَرْجِعَها إليهم، فلم يَرْجِعْها إليهم؛ لأنَّ اللهَ سُبحانه أنزَلَ في المهاجِراتِ قولَه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، واختِبارُهُنَّ يكونُ بالحَلِفِ والنَّظَرِ في العَلاماتِ؛ لِيَغْلِبَ على الظَّنِّ صِدْقُ إيمانِهِنَّ.
وقِيل: معْنى امتِحانِهِنَّ: أنْ يُسْتَحلَفْنَ ما خَرَجْنَ مِن بُغضِ زَوْجٍ، وما خَرَجْنَ عن أرضٍ إلى أرضٍ، وما خَرَجْنَ الْتِماسًا لِدُنيا، وما خرَجْنَ إلَّا حُبًّا للهِ عزَّ وجلَّ ولرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وأَخبَرَتْ أُمُّ المُؤمِنين عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَمتَحِنُهنَّ بهذه الآياتِ، ومنها قولُ اللهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 10 - 12]، وهي المُبايَعَةُ على عدَمِ الإشراكِ باللهِ سُبحانه وتعالَى، وعدَمِ السَّرِقَةِ والزِّنَى، وألَّا يَأتِينَ بِبُهتانٍ يَفتَرِينَه بيْن أيدِيهِنَّ وأرجُلِهِنَّ، أي: لا يَأتِينَ بوَلَدٍ ليس مِن أزواجِهِنَّ فيَنسُبْنَه إليهم، وقِيل: {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ}: أَلْسِنتِهُنَّ، {وَأَرْجُلِهِنَّ}: فُرُوجِهُنَّ. وألَّا يَعصِينَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَعروفٍ؛ قِيلَ: هذا في النَّوْحِ، وقِيلَ: لا يَخْلُونَ بغَيرِ ذي مَحْرَمٍ، وقِيلَ: في كلِّ حَقٍّ مَعروفٍ للهِ تعالَى.
ثُمَّ تُخبِر عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ مَن أقرَّتْ بهذه الشُّروطِ، بايَعَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: «قدْ بايَعتُكِ»، وتُقسِمُ أُمُّ المُؤمِنين أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما مسَّتْ يَدُه يَدَ امرأةٍ قَطُّ في المُبايَعَةِ، وما بايَعَهُنَّ إلَّا بالكلامِ؛ وذلك لأنَّ المبايَعةَ باليدِ تَختَصُّ بالرِّجالِ.