باب إذا دبغ الإهاب فقد طهر
بطاقات دعوية
عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه قال رأيت على ابن وعلة السبئي فروا فمسسته فقال ما لك تمسه قد سألت عبد الله بن عباس قلت إنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ويأتونا بالسقاء (2) يجعلون فيه الودك (3) فقال ابن عباس قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال دباغه طهوره. (م 1/ 191)
لقد حرَّمَ اللهُ تَعالَى أكلَ المَيتةِ، ولكنَّه لم يُحرِّم الِانتفاعَ بجُلودِها إذا دُبِغت؛ لأنَّ دِباغَها طُهورُها، وفي هذا الحديثِ تَوضيحٌ لهذا الأمرِ؛ ففيه أنَّ أبا الخَيرِ مَرثَدَ بنَ عبدِ اللهِ اليَزَنيَّ رَأى عبدَ الرَّحمنِ بنَ وَعلةَ السَّبَئيَّ المِصريَّ يَلبَسُ فَروًا، وهو شَيءٌ كالجُبَّةِ يُبَطَّنُ من جُلودِ بعضِ الحيواناتِ، فمَسَّه، كأنَّه يَتعجَّبُ وعندَه شَيءٌ مِنَ الإنكارِ من أن يَلبَسَه ابنُ وَعلةَ، ففَهِمَ ذلك ابنُ وَعلةَ، وأخبَرَه أنَّه سألَ عن حُكمِه الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وأخبَرَه عن أحوالِهم: أنَّهم يَكونُونَ بالمَغرِبِ، وهو البلدُ المَعروفُ، ويَكونُ معهمُ «البَرْبَرُ»، وهُم جِنسٌ منَ الأجناسِ، وهم كالأعرابِ في القَسوةِ والغِلظةِ، «والمَجُوسُ» وهم عبَدةُ النَّارِ، فيُؤتَى من عِندِهم بالكَبشِ منَ الضَّأنِ قد ذَبَحوه بأيديهم وعلى طريقتِهمُ التي تُخالِفُ طريقةَ الإسلامِ، «ونَحْنُ لا نَأكُلُ ذَبائِحَهم»؛ لأنَّهم ليسُوا من أهلِ الكِتابِ الذين أحلَّ اللهُ ذبائحَهم، «ويأتونا بالسِّقاءِ» وهو الوعاءُ المصنوعُ من جِلدِ الذَّبائحِ، «يَجْعَلون فيه الوَدَكَ» منَ الدُّهنِ والشَّحمِ المُذابِ، أي: إنَّه يَسألُه عن حُكمِ السِّقاءِ المصنوعِ من جِلدِ المَيتةِ، أو جِلدِ ما ذُبِحَ ولم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليه، أو ذَبَحَه مَن لا تَحِلُّ ذَبيحتُه؛ أيَحِلُّ لنا أن نَشرَبَ فيه ماءً أو غيرَه، أو نَأكُلَ فيه دَسَمَ اللَّحمِ؟ فأجابَه ابنُ عَبَّاسٍ بأنَّ الصَّحابةَ سَألوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك، فأخبرهم أنَّ جِلدَ المَيتَةِ يَطهُرُ بدِباغِه، ودَبغُ الجلدِ: نَزعُ ما يَتعلَّقُ به بعدَ السَّلخِ؛ حتَّى لا يُفسِدَه بَقاؤُه مع وَضعِه في المِلحِ أوِ الموادِّ الحافِظةِ، فيَحِلُّ فيه الأكلُ والشُّربُ والانتفاعُ به بسائرِ وُجوه الانتفاعِ المُباحةِ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الانتِفاعِ بجِلدِ المَيتةِ.
وفيه: تَيسيرُ الشَّرعِ على النَّاسِ في الانتِفاعِ بأموالِهم.