باب إسلام سعيد بن زيد رضي الله عنه

بطاقات دعوية

باب إسلام سعيد بن زيد رضي الله عنه

عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال في مسجد الكوفة: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي (37) على الإسلام [أنا وأخته 4/ 243]، قبل أن يسلم عمر، ولو أن أحدا ارفض (38) (وفي رواية: انقض) للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن يرفض (وفي رواية: ينفض 8/ 56).

اللهُ سُبحانَه وتعالَى يَهْدي لنُورِه مَن يَشاءُ؛ فقدْ كان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مِن أشدِّ النَّاسِ عَداوةً للمُسلِمينَ بادئَ الأمرِ، ثُمَّ منَّ اللهُ تعالَى عليه بالإسْلامِ، فكان إسْلامُه نَصرًا للمُسلِمينَ، ولم يزَلْ مَصدَرَ عِزَّةٍ للإسْلامِ وأهلِه إلى أنْ قُتِلَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ سَعيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان زَوجَ فاطمةَ بنتِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنها أُختِ عُمَرَ، وكان يُحدِّثُ بهذا الحَديثِ في مَسجِدِ الكوفةِ-: أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه كان يُوثِقُه على الإسْلامِ، أي: يَربِطُه بحَبلٍ ونَحوِه بسبَبِ إسْلامِه؛ إهانةً له، وإلزامًا له للرُّجوعِ عنِ الإسْلامِ.
ثُمَّ يقولُ سَعيدُ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه: «ولو أنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ للَّذي صنَعْتُم بعُثْمانَ لكان!» أي: لو أنَّ أُحُدًا -وهو الجَبَلُ المَعروفُ بالمَدينةِ المُنوَّرةِ- انقَضَّ وزالَ مِن مَكانِه، وتَفرَّقَتْ أجْزاؤُه؛ لِمَا وقَعَ لعُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه منَ القَتلِ -لكان حَقيقًا بهذا الارْفِضاضِ، وإنَّما قال سَعيدٌ رَضيَ اللهُ عنه ذلك؛ لعِظَمِ جَريمةِ قَتلِ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي ذِكرِ ما فعَل عُمَرُ معَ ما صَنَعوا بعُثْمانَ، وتَعقيبِه بقولِه: «ولَو أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ»: إشارةٌ لَطيفةٌ؛ وهي أنَّ الأحْوالَ قد تُفْضي بالنَّاسِ إلى أنْ يَكونوا على ضَلالةٍ وهُمْ يَحْسَبونَ أنَّهم مُهْتَدونَ، كما أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان قبْلَ إسْلامِه يَرى خَطأَه صَوابًا في ربْطِ أُخْتِه وزَوجِها؛ ليَرُدَّهما إلى الكُفرِ وعنِ الإسْلامِ؛ فكذلك مَن رَأى ما فُعِلَ بعُثْمانَ صَوابًا، كأنَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه يَتعجَّبُ مِن انْقِلابِ الزَّمانِ في هذه المُدَّةِ اليَسيرةِ، حيثُ إنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان حبَسَه على الإسْلامِ وهو كافرٌ، وأنتمْ قتَلْتُم عُثْمانَ وأنتم مُسلِمونَ، وهو على الإسْلامِ أيضًا، فكيف انقَلَبَ الزَّمانُ على هذا الحالِ!
والمَعنى: أنَّ هذا الَّذي فعَلْتُم بعُثْمانَ -يا مَن رَأيْتُموه صَوابًا- هو مِن ذلك الجِنسِ وذلك الحَيِّزِ، وأنَّه عندَ مَن يُؤمِنُ باللهِ العَظيمِ عظيمٌ وخطيرٌ، حتَّى لو قدْ زالَ وانقَضَّ له جَبلُ أُحُدٍ، لكان جَديرًا به هذا الزَّوالُ؛ لعِظَمِ ما صنَعْتُم وهَولِه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه بثَباتِه على الحقِّ بِدايةَ إسْلامِه، وإنْكارِه على قَتَلةِ عُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه.