باب إطعام الطعام1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن زرارة بن أوفى، قال:
حدثني عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل الناس قبله، وقيل: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله، قدم رسول الله، ثلاثا، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: "يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُربِّي النَّاسَ على الفَضائلِ والمكارِمِ حتَّى يكونَ المجتمعُ مُتحابًّا متعاوِنًا؛ كما بيَّن أنَّ مكارِمَ الأخلاقِ لها أجْرٌ عظيمٌ عند اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ رَضي اللهُ عنه: "لَمَّا قدِم"، أي: جاء وهاجَر "النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المدينةَ، انجفَلَ النَّاسُ قِبَلَه"، أي: اتَّجَه النَّاسُ ناحيتَه وذهَبوا إليه مُسْرِعين، "وقيل: قد قَدِم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قد قدِم رسولُ اللهِ، قد قدِم رسولُ اللهِ ثلاثًا، فجِئتُ في النَّاسِ؛ لِأنظُرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجْهَه"، أي: رأيتُ مَلامحَه، "عرَفتُ أنَّ وجْهَه ليس بوجْهِ كذَّابٍ"؛ لِما يَبدو عليه مِن النُّورِ والجَمالِ والهَيبةِ الصَّادقةِ، "فكان أوَّلُ شيءٍ سمعتُه تكلَّم به، أنْ قال: يا أيُّها النَّاسُ، أَفشوا السَّلامَ"، والمقصودُ بإفشاءِ السَّلامِ نشْرُه والإكثارُ منه، والسَّلامُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وإفشاءُ السَّلامِ طريقٌ موصِلٌ للمحبَّةِ بين المسلِمين، والسَّلامُ هو التَّحيَّةُ المباركَةُ في هذه الأمَّةِ، وقد جعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن خيْرِ الأقوالِ في البِرِّ والإكرامِ إفشاءَ السَّلامِ الَّذي يَعُمُّ ولا يَخُصُّ، مَن عرَف ومَن لمْ يَعرِفْ، حتَّى يكونَ خالِصًا للهِ تعالى. "وأطْعِموا الطَّعامَ" ويَعُمُّ الإطعامُ ويَدخُلُ فيه ما يكونُ بالصَّدقةِ والهديَّةِ والضِّيافةِ. "وصِلُوا الأرحامَ"، والأرحامُ: هم كلُّ مَن تَربِطُك بهم رَحِمٌ أو قَرابةٌ مِن جِهةِ الأبِ أو الأمِّ، وقد حثَّ القرآنُ الكريمُ على صِلَتِهم، وحَذَّر أشَدَّ التَّحذيرِ مِن قَطْعِهم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
"وصَلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نِيامٌ"، أي: صَلُّوا النَّوافلَ؛ مِن القِيامِ والتَّهجُّدِ في اللَّيلِ كما يَقولُ اللهُ تعالى واصِفًا عبادَه المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]، وينبَغي الحِرصُ على قيامِ اللَّيلِ والأخذُ بالأسبابِ المعينَةِ على ذلك، ومنها: البُعدُ عن المعاصي والذُّنوبِ، والإقلالُ مِن الأكلِ قَبلَ النَّومِ.
وقولُه: "تَدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ"، أي: تكونُ الجنَّةُ جَزاءً لِمَن فعَل هذه الخِصالَ مُخلِصًا فيها للهِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على نَشْرِ السَّلامِ تحيَّةً وسُلوكًا بين النَّاسِ، والتَّراحُمِ بين النَّاسِ بفِعلِ الخِصالِ الحَميدةِ.
وفيه: الأمرُ بصِلَةِ الأرحامِ وعدمِ قطعِها.
وفيه: بيانُ أهمِّيَّةِ صلاةِ النَّوافلِ باللَّيلِ.