باب إعطاء من يسأل بغلظة 1
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني (2) غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه (3) بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ثم أمر له بعطاء. (م 3/ 103
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَؤوفًا رَحيمًا رَفيقًا بِالمؤمنينَ، فلم يكُنْ يُعنِّفُ أحدًا أو يُغلِظُ على أحدٍ إلَّا أنْ تُنْتَهكَ حُرماتُ اللهِ تعالَى، فَيَغضَبُ لذلك.
وفي هذا الحديثِ بَيانُ جانبٍ مِن حِلْمِه ورِفقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فيحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَمشي وعليه بُرْدٌ نَجْرانيٌّ غَليظُ الحاشيةِ، والبُرْدُ: نَوعٌ مِنَ الثِّيابِ، والنَّجْرانيُّ: نِسْبَة إلى نَجْرانَ مدينةٍ باليمنِ، و«غَليظُ الحاشيةِ» أي: غليظُ الجانبِ، فأدركَه أعرابيٌّ -وهو العَرَبيُّ الذي يَسكُنُ الصَّحْراءَ- فأمسكه من ثوبِه بشِدَّةٍ، حتَّى إنَّ الثَّوبَ أثَّر في جانبِ رَقبتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن شِدَّةِ الجَذْبةِ، ثُمَّ قال الرَّجلُ الأعرابيُّ: يا محمَّدُ، مُرْ لي مِن مالِ اللهِ الَّذي عندك، فالْتفَتَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ ضَحِكَ، ترفُّقًا به وترحُّمًا، ثُمَّ أمَر له بعَطاءٍ مِنَ المالِ. وما فعله الأعرابيُّ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُفسَّرٌ على ما كان في الأعرابِ مِن سُوءِ الطَّبعِ والخُلُقِ؛ ولذلك جاء رَدُّ فِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللِّينِ والصَّفحِ.
وفي الحَديثِ: كمالُ خُلُقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحِلْمِه وصَفْحِه الجَميلِ.
وفيه: الحَثُّ على احتِمالِ الجاهِلينَ، والإعراضُ عن مقابَلَتِهم، ودَفْعُ السَّيِّئةِ بالحَسَنةِ.
وفيه: إعطاءُ من يتألَّفُ قَلْبَه.
وفيه: إباحةُ الضَّحِكِ عند الأمورِ التي يُتعجَّبُ منها في العادةِ.