[باب] {إن المنافقين في الدرك الأسفل}

بطاقات دعوية

[باب] {إن المنافقين في الدرك الأسفل}

عن الأسود قال: كنا فى حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا، فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم! قال الأسود: سبحان الله! إن الله يقول: {إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار} , فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة فى ناحية المسجد، فقام عبد الله، فتفرق أصحابه، فرمانى (49) بالحصى، فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت! لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم، ثم تابوا، فتاب الله عليهم.

ظهر النِّفاقُ في المجتَمَعِ الإسلاميِّ الأوَّلِ عندما قَوِيَت شوكةُ الإسلامِ وظهرت دولَتُه، وقد حذَّر الإسلامُ منه أشَدَّ تحذيرٍ، وفضح صفاتِ المنافِقينَ، وعلى هذا المنهَجِ الإسلاميِّ الأصيلِ سار الصَّحابةُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهم في تربيَتِهم لِمن بَعْدَهم.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التَّابعيُّ الأسوَدُ بنُ يَزيدَ أنَّهم كانوا في مَجْلسٍ فيه عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ وجَماعةٌ مِنَ التَّابعينَ، وأنَّ حُذَيْفَةَ بنَ اليمانِ رضِيَ اللهُ عنه دخَلَ ووقَفَ عليْهم، فقال لهمْ حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه: «لقدْ أُنزِلَ النِّفاقُ على قومٍ خيرٍ منكم»، كأنَّ حُذَيفةَ رضِيَ اللهُ عنه أرادَ تَحذيرَ الَّذين خاطَبَهم وأشارَ لهمْ ألَّا يَغترُّوا؛ فإنَّ القلوبَ تَتقلَّبُ، فحَذَّرهم مِنَ الخروجِ مِنَ الإيمانِ؛ لأنَّ الأعمالَ بِالخاتمةِ، وبيَّن لهم أنَّهم وإنْ كانوا في غايةِ الوثوقِ بإيمانِهم فلا يَنْبغي لهم أنْ يَأمَنوا مَكْرَ اللهِ؛ فإنَّ الطَّبقةَ الَّذين مِن قبْلِهم -وهمُ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم- كانوا خيْرًا منهم، ومع ذلك وُجِد بيْنهم مَنِ ارتدَّ ونافَقَ، فذَهَبَتِ الخيريَّةُ منهم، ومنهم مَن تابَ فعادتْ له الخيريَّةُ. والطبَّقةُ الَّتي هي مِن بَعدِهم -وهمُ التَّابعونُ ومَن بعْدَهم- أمكَنُ مِنَ الوقوعِ في مِثلِ ذلك.
فتَبسَّمَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه تَعجُّبًا مِن صِدْقِ قَولِ حُذَيفةَ رضِيَ اللهُ عنه، فلمَّا قامَ عبدُ اللهِ مِنَ المجلسِ وتَفرَّقَ أصحابُه، رمَى حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه الأسودَ بنَ يزيدَ بِالحَصَى يَستدعِيه إليه، فلمَّا أتاهُ الأسودُ قال له: «عجبْتُ مِن ضَحِكِه، وقدْ عرَفَ ما قلتُ»، أي: تَعجَّبْتُ مِنَ اقتصارِه على الضَّحكِ وقدْ فَهِم مُرادِي وعرَفَ أنَّه الحقُّ، ثُمَّ قال: «لقدْ أُنزلَ النِّفاقُ على قومٍ كانوا خيرًا منكم، ثُمَّ تابوا فتابَ اللهُ عليهم»، أي: إنَّهم كانوا خيرًا مِنَ التَّابعينَ، وابتلاهُمُ اللهُ بِالنِّفاقِ، ثُمَّ تابوا فتابَ اللهُ عليهم.
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على أنَّ المؤمنَ قدْ تَعرِضُ له حادثةٌ مِن خَطيئةٍ ثُمَّ يَتوبُ منها ويَغفِرُها اللهُ تعالىَ له، فيَعودُ إلى حالِه الحُسْنَى.
وفيه: خُطورةُ النِّفاقِ وضَرورةُ الحَذَرِ منه وتحذيرِ النَّاسِ.