باب اتباع سنة رسول اللهﷺ11
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد، حدثنا أبو خالد الأحمر، سمعت مجالدا يذكر عن الشعبي
عن جابر بن عبد الله، قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فخط خطا، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال: "هذا سبيل الله". ثم تلا هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] (2).
لقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لأُمَّتِه طُرُقَ الخيرِ والرَّشادِ، وأمَرَهم باتِّباعِها، وبيَّنَ الأجْرَ والثَّوابَ عليه، ووضَّحَ لهم طريقَ الشَّرِّ، وحذَّرَهم مِن سُلوكِه، وبيَّنَ العِقابَ على ذلك، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: "كُنَّا عند النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فخَطَّ خطًّا"، أي: رسَمَ خطًّا على الأرضِ بيَدِهِ، وفي روايةٍ: "ثمَّ قال: هذا سبيلُ اللهِ مُسْتقيمًا"، أي: هذا الطَّريقُ الَّذي يُرِيدُه اللهُ، وهو طريقُ الحقِّ، المُوصِلَةُ إليه، المُقرِّبَةُ للسَّالِكِ، "وخَطَّ خطَّينِ عن يمينِه، وخَطَّ خطَّينِ عن يسارِه"، أي: جعَلَ على جَنْبَيِ الخطِّ المُستقيمِ خطَّينِ آخرينِ، وفي روايةٍ: "ثمَّ قال: هذه السُّبُلُ ليس منها سبيلٌ إلَّا عليه شيطانٌ يدعو إليه"، أي: هذه الطُّرُقُ المُخالِفةُ لطريقِ اللهِ، يقِفُ على كلِّ طريقٍ منها شيطانٌ يُغْوِي ويُوَسْوِسُ؛ لإضلالِ النَّاسِ الَّذين يسلُكونَ هذه الطُّرقَ، "ثمَّ تلا هذه الآيةَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]"، وهذا مِن ضَرْبِ الأمثلةِ للنَّاسِ؛ لتقريبِ المعاني والمفاهيمِ.
والطَّريقُ المُستقيمُ هو أقصَرُ الطُّرقِ للوُصولِ إلى الغايةِ، ومعنى قولِه تعالى: {مُسْتَقِيمًا}، يعني: قويمًا لا اعْوِجاجَ به عنِ الحقِّ، {فَاتَّبِعُوهُ}، أي: فاعْمَلوا به، واجْعَلوه لأنفُسِكم مِنهاجًا تسْلُكونَه، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} يقولُ: ولا تسْلُكوا طريقًا سِواهُ، ولا ترْكَبوا مَنهجًا غيرَه، ولا تبْغُوا دِينًا خِلافَه؛ مِن اليهوديَّةِ والنَّصرانيَّةِ، والمجوسيَّةِ، وعِبادةِ الأوثانِ، وغيرِ ذلك مِن المِلَلِ؛ فإنَّها بِدَعٌ وضلالاتٌ، {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} يقول: فيُشَتَّتُ بكم إنِ اتَّبَعْتُم السُّبلَ المُحدثَةَ، الَّتي ليست للهِ بسُبُلٍ ولا طُرُقٍ ولا أديانٍ، اتِّباعُكم إيَّاها، {عَنْ سَبِيلِهِ}، يعني: عن طريقِه ودِينِه الَّذي شرَعَه لكم وارْتَضاه، وهو الإسلامُ الَّذي وصَّى به الأنبياءَ، وأمَرَ به الأُمَمَ قبْلَكم، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}، أي: هذا الَّذي وصَّاكم به ربُّكم؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أي: لِتَتَّقوا اللهَ في أنفُسِكم فلا تُهْلِكُوها، وتحْذَروا ربَّكم فيها، فلا تُسْخِطوه عليها، فيحِلَّ بكم نِقْمتُه وعذابُه، وذلك يكونُ بفِعلِ ما أمَر، واجتنابِ ما عنه نَهَى وزَجَر.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على اتِّباعِ طريقِ الإسلامِ، وهو الحقُّ، والتَّحذيرُ مِن اتِّباعِ طُرُقِ الشَّيطانِ.