باب ما جاء في الضجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر 1
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمنعن عائشة قالت: ما كنت ألفي -أو ألقى- النبي - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل إلا وهو نائم عندي (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ الدَّوامَ على الطَّاعةِ؛ ومع ذلك علَّمنا أنْ يُعطيَ الإنسانُ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه؛ فيُعْطِيَ نفْسَه حقَّها مِن الرَّاحةِ، ويُعْطِيَ أهلَه حقَّهم؛ وكلُّ ذلك حتَّى تُقبِلَ النَّفْسُ على الطَّاعةِ وهي غيرُ مُنْشَغِلةٍ، بل تكونُ مُطْمئنةً هادئةً خاشعةً.
وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "ما كنتُ أُلْفي" من أَلفيتُ، أي: أجِد "أو أَلْقى- النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ألْقاهُ وأجِدُه، وهذا إشارةٌ إلى عادتِه والأغلَبِ عنده صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن آخِرِ اللَّيلِ إلَّا وهو نائمٌ عندي"، أي: نائمٌ في حُجْرَتِها بعدَ صلاتِه قِيامَ اللَّيلِ. قال وكيعٌ- وهو أحَدُ رُواةِ الحديثِ- : "تعني بعدَ الوِتْرِ"، أي: بعدَ أداءِ صلاةِ الوتْرِ، وقبلَ صلاةِ الفجْرِ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الوِتْرَ إذا أحسَّ بدُخولِ وقْتِ الفجْرِ، فيبادِرُه بالصَّلاةِ، ثمَّ يُؤَذَّنُ لصلاةِ الفجْرِ، فيصَلِّي ركعتَيْ سُنَّةِ الفجْرِ.
وفي الصَّحيحَينِ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أيضًا، أنَّها قالت: "كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا سكَتَ المُؤَذِّنُ بالأُولى مِن صلاةِ الفجْرِ، قام فركَعَ ركعتينِ خَفيفتينِ قبلَ صَلاةِ الفَجرِ بعدَ أن يَستبينَ الفَجرُ، ثمَّ اضْطجَعَ على شِقِّه الأيمنِ، حتَّى يأتِيَه المُؤَذِّنُ للإقامةِ"، أي: مال على جنْبِه واستراحَ بعدَ صلاةِ ركعتَيِ الفجْرِ حتَّى يأتِيَه المُؤَذِّنُ؛ ليُعْلِمَه بإقامةِ الفريضةِ.
قال العُلماءُ: ما رُوِيَ عن عائشةَ مِن أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اضْطجَعَ بعدَ الوتْرِ، مُختلَفٌ فيه عنِ المحفوظِ وهو الاضْطجاعُ بعدَ الفجْرِ، ويُجْمَعُ بين هذه الرِّواياتِ بأنَّها كلَّها تدلُّ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اضْطجَعَ على وجْهِ الاستراحةِ لا على وجْهِ السُّنَّةِ؛ لأنَّ الأحاديثَ دالَّةٌ على أنَّه يفعَلُها ويترُكُها، ويَفعَلُها بعدَ الوتْرِ وبعدَ الفجْرِ.