باب من قال: كان فسخ الحج لهم خاصة

سنن ابن ماجه

باب من قال: كان فسخ الحج لهم خاصة

حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه
عن أبي ذر، قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة

التَّمتُّعُ في الحجِّ هو أنْ يَنويَ الحاجُّ عُمرةً معَ حَجَّتِه، فإذا قدِمَ مكَّةَ واعتَمرَ وانْتَهى مِن عُمرتِه تَحلَّلَ من إحْرامِه، وتَمتَّعَ بكلِّ ما هو حَلالٌ، حتَّى تَبدأَ مَناسِكُ الحجِّ يومَ الثَّامِنِ مِن ذِي الحِجَّةِ.
وفي هذا الأثَرِ يُخبِرُ أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ المُتعةُ في الحجِّ كانتْ لأصْحابِ محمَّدٍ خاصَّةً، يَعني: فسْخَ الحجِّ إلى العُمرةِ كان خاصًّا للصَّحابةِ فقط؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أمَرَ بها بعضَ أصْحابِه في حَجَّةِ الوَداعِ لمَن لم يسُقْ معَه الهَديَ، وكان أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه من هؤلاء الَّذين فَسَخوا حَجَّهم إلى عُمرةٍ، أمَّا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والبعضُ الآخَرونَ منَ الصَّحابةِ ممَّن معَهمُ الهَديُ كانوا قارِنينَ، أي: جَمَعوا بينَ الحجِّ والعُمرةِ بإحْرامٍ واحدٍ.
وقولُه هذا مخالِفٌ لما ورَدَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ والثَّابِتةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ التَّمتُّعَ جائزٌ في أشهُرِ الحجِّ، وقيلَ: إنَّ قولَ أبي ذَرٍّ هذا يُحمَلُ على أنَّ الفَسخَ الواجبَ الَّذي يَتعيَّنُ هو الَّذي كان لأصْحابِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأمَّا غَيرُهم فإنَّه يَبْقى على الاسْتِحبابِ.
وَقد جاء في الصَّحيحَينِ -واللَّفظُ لمسلِمٍ- عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عَنهُما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قال: «لو أنِّي استَقبلْتُ مِن أَمْري ما استَدبَرْتُ لم أَسُقِ الهَديَ، وجَعلْتُها عُمرةً، فمَن كانَ مِنكُم ليسَ مَعَه هَديً فلْيَحِلَّ، ولْيَجعَلْها عُمرةً، فقامَ سُراقةُ بنُ مالكِ بنِ جُعْشُمٍ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أَلِعامِنا هذا أم لأبَدٍ؟»، أي: هل جَوازُ فَسخِ الحجِّ إلى العُمرةِ أو الإتْيانِ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحجِّ أو معَ الحجِّ يختَصُّ بهذه السَّنةِ أم للأبَدِ؟ «فشَبَّكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصابعَه واحدةً في الأُخْرى»، إشارةً إلى اشْتِراكِ كلِّ الأعْوامِ في ذلك بدونِ اخْتصاصِ أحدِها، «وقالَ: دَخلتِ العُمرةُ في الحجِّ -مرَّتينِ- لا، بل لأبَدِ أَبدٍ»، أي: حلَّتِ العُمرةُ في أشهُرِ الحجِّ،  فمَعناه: مَشْروعيَّةُ الاعتِمارِ في أشهُرِ الحجِّ والقِرانِ.
وفي الصَّحيحَينِ أيضًا عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: «نزَلَتْ آيةُ المُتعةِ، في كتابِ اللهِ -يَعني مُتعةَ الحجِّ- وأمَرَنا بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ لم تَنزِلْ آيةٌ تَنسَخُ آيةَ مُتعةِ الحجِّ، ولم يَنْهَ عنها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى ماتَ»، والمرادُ بالآيةِ قولُ اللهِ تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].