باب استحباب التعوذ من عذاب القبر
بطاقات دعوية
عذاب القبر ونعيمه حق، وقد أمرنا بالاستعاذة من عذابه، ومن مواطن الاستعاذة منه عند وقوع الآيات، كسوف الشمس والقمر وخسوفهما؛ ففي ذلك آيات وعبر على القدرة الإلهية المطلقة؛ فالشمس والقمر آيتان من مخلوقات الله سبحانه الدالة على عظمته، ويخضعان لقدرته وسلطانه، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نفعل عند حدوث هذه الظواهر
وفي هذا الحديث أن امرأة يهودية دخلت على عائشة رضي الله عنها تسألها شيئا تعطيه لها، فلما أعطتها دعت لها اليهودية -ولعل ذلك كان على سبيل الشكر على ما أعطتها-: أعاذك الله من عذاب القبر، وقيل: إنها جاءت تسألها عن عذاب القبر، ودعت لها أن يعيذها الله منه، كما في رواية البيهقي في كتاب إثبات عذاب القبر: «دخلت يهودية على عائشة رضي الله عنها، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شيئا في عذاب القبر؟».
فقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم مستفهمة عن قول اليهودية: أيعذب الناس في قبورهم؟ فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأقر قول اليهودية بوقوع عذاب القبر، وظاهر سؤال عائشة رضي الله عنها يدل على أنها لم تكن تعلم قبل ذلك بعذاب القبر، وإنما كانت تعلم أن الثواب والعقاب يكونان بعد البعث، ولعل علم المرأة اليهودية بعذاب القبر كان عن سماعها به من التوراة أو في كتاب من كتبهم. ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم ذات صباح، فخسفت الشمس، وخسوف الشمس: ذهاب ضوئها، وأكثر ما يعبر عن الشمس بالكسوف، وعن القمر بالخسوف، وقد يعبر بأحدهما عن الآخر، وهذا ما وقع في هذه الرواية
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الضحى، فمر صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر، أي: بين حجرات أزواجه رضوان الله عليهن، ثم قام يصلي صلاة الخسوف، فصلى عليه الصلاة والسلام ركعتين، فقام في الركعة الأولى مدة طويلة؛ حيث قرأ صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة نحوا من سورة البقرة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين، وفي رواية الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف، ثم ركع فأطال الركوع كذلك، ثم قام من الركوع مدة طويلة، ولكنها أقصر من القيام الأول، ثم ركع كذلك ركوعا ثانيا، ولكنه أخف من الركوع الأول، ثم رفع من الركوع واعتدل قائما، ثم سجد سجدتين، ثم قام للركعة الثانية، فصلاها صلى الله عليه وسلم كما صلى الركعة الأولى، إلا أنها أقل منها وقتا في جميع أفعالها، حيث قام قياما طويلا أقل من القيام الأول، وركع ركوعا طويلا أقل من الركوع الأول، ثم قام معتدلا من الركوع، وركع مرة أخرى أقل من القيام والركوع الأول، ثم سجد سجدتين، بعدها جلس صلى الله عليه وسلم للتشهد، وسلم من صلاته، ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس، وقال ما شاء الله أن يقول، ومن ذلك أنه أمر الناس أن يتعوذوا من عذاب القبر. ومعنى الاستعاذة من عذاب القبر: الاحتماء بالله والالتجاء إليه من عذاب القبر؛ فهو وحده من بيده الحفظ والحماية
وجاء في رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وسلم قام خطيبا بعد فراغه من الصلاة، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا رد لما كان قد توهمه بعض الناس من أن كسوف الشمس كان لأجل موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أمر صلى الله عليه وسلم بدعاء الله سبحانه وتعالى وتكبيره، والصلاة والصدقة عند رؤية الكسوف، وحذر من الفواحش، وخوف الناس من عذاب الله عز وجل
وفي الحديث: أن عذاب القبر حق، وأنه ليس خاصا بهذه الأمة
وفيه: الرواية عن أهل الكتاب إذا وافق قولهم كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتوقف عن خبرهم حتى يعرف أصدق هو أم كذب
وفيه: التعوذ من عذاب القبر عقيب الصلاة؛ لأنه وقت إجابة الدعوة