باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها 2
بطاقات دعوية
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال : قال رجل : أي الناس أفضل يا رسول الله ؟ قال : (( مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله )) قال : ثم من ؟ قال : (( ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه )) .
وفي رواية : (( يتقي الله ، ويدع الناس من شره )) متفق عليه .
معاملة الناس والاختلاط بهم تقتضي من الشخص الحرص والحذر معهم؛ حتى لا يقع فيما حرمه الله، أما من لا يستطيع معاملة الناس فالعزلة له أفضل
وفي هذا الحديث يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الناس في الأجر والمنزلة عند الله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله»، والمراد بنفسه: أن يقتل وهو يجاهد، والمراد بماله: إنفاقه، سواء على نفسه أو على من يجاهد معه، ولا يريد أنه أفضل الناس عموما؛ لأن أفضل منه من أوتي منازل الصديقين، وحمل الناس على شرائع الله وسنن نبيه، وقادهم إلى الخيرات، وسبب لهم أسباب المنفعة في الدين والدنيا، لكن إنما أراد صلى الله عليه وسلم -والله أعلم- أفضل أحوال عامة الناس؛ لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط للسنن من هو أفضل منه
«فقالوا: ثم من؟» قال: «مؤمن» اعتزل الناس «في شعب من الشعاب»، والشعب هو المكان بين الجبلين، والمراد اعتزلهم في الإقامة والسكن فقط، فلا يخاصمهم ولا ينازعهم في شيء، وهذا محله في زمن الفتنة، أو فيمن لا يصبر على أذى الناس
وقوله: «في شعب من الشعاب» ليس بقيد، بل على سبيل المثال، والغالب على الشعاب الخلو عن الناس، فلذا مثل بها للعزلة والانفراد، فكل مكان يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى
وفي الحديث: بيان أن من أدب من يريد العزلة أن يقصد إبعاد شره عن المسلمين، لا إبعاد شرورهم عنه، وإن كان حاصلا ضمنا، وذلك هضما لنفسه؛ كيلا يرى الفضل له عليهم، وامتثالا للأمر بالتواضع الذي أمر الله تعالى به
وفيه: تفاوت الأعمال الصالحة في الفضل والثواب.