باب استحقاق القاتل سلب القتيل

بطاقات دعوية

باب استحقاق القاتل سلب القتيل

حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب، فقلت: ما بال الناس قال: أمر الله
ثم إن الناس رجعوا، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست ثم قال: من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلبه عندي، فأرضه عني فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله، إذا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق فأعطاه، فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام

بين النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الجهاد والغنائم والأنفال، وأوضح ما يستحقه كل مجاهد، ومتى يستحق المسلم متاع المقتول من المشركين
وفي هذا الحديث يروي أبو قتادة رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وكانت المعركة في السنة الثامنة بين المسلمين وأهل الطائف من هوازن وثقيف، فلما التقى المسلمون مع العدو، كانت للمسلمين جولة، أي: حركة فيها اختلاف واضطراب، وعبر بذلك احترازا عن لفظ الهزيمة، وكانت هذه الجولة في بعض الجيش لا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله، فرأى أبو قتادة رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، أي: ظهر عليه وأشرف على قتله، أو أوقعه وجلس عليه لقتله، فاستدار إليه أبو قتادة من ورائه حتى ضربه بالسيف على حبل عاتقه؛ وهو عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق، أو ما بين العنق والمنكب، ولكن هذا المشرك كان قويا حتى إنه قام بعد هذه الضربة، فأقبل على أبي قتادة رضي الله عنه واحتضنه حتى وجد أبو قتادة شدة كشدة الموت، ولكن أدرك الموت هذا المشرك، فترك أبا قتادة، ثم بعد ذلك لحق أبو قتادة بعمر بن الخطاب، وسأله: ما بال الناس منهزمين؟ ولماذا يفرون؟ فأخبره عمر أن أمر الله غالب؛ بأن من توكل عليه ولم يعجب بنفسه ينصره، وليس كما فعل المسلمون في أول الأمر، حيث أعجبوا بكثرتهم، فلم تغن عنهم شيئا وهزموا في أول المعركة، ولكن العاقبة للمتقين الذين يجعلون أوامر الله نصب أعينهم ويوكلون أمرهم إلى الله
ثم إن المسلمين رجعوا إلى المعركة بعد الفرار، وذلك بعدما نادى النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب»، وأمر عمه العباس أن يناديهم ليرجعوا، كما بينت روايات الصحيحين، وقد ذكر الله سبحانه ما حدث في كتابه العزيز؛ قال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} [التوبة: 25، 26]
وبعد انتهاء المعركة حاز المسلمون غنائم هوازن وثقيف، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتل قتيلا له عليه بينة»، أي: علامة أو شهود، «فله سلبه»، وهو ما على المقتول من سلاح وغيره
قال أبو قتادة: فقمت فقلت: من يشهد لي بقتل ذاك الرجل؟ ثم جلس، ثم تكرر هذا الأمر مرتين -وكأنه كان يحدث نفسه بذلك- وفي المرة الأخيرة، سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا قتادة؟ فقص عليه ما حدث، فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلبه عندي، فأرضه عني، يريد بذلك السلب لنفسه، ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي أبا قتادة بدلا منه، فأجاب أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الفور: «لاها الله»، أي: لا والله، «إذن لا يعمد إلى أسد من أسد الله» يقصد أبا قتادة رضي الله عنه، والمعنى: إذا صدق أبو قتادة في أنه صاحب السلب، إذن لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل كأنه في الشجاعة أسد، يقاتل مدافعا عن الله ورسوله، فيأخذ منه حقه ويعطيه لك بغير طيب نفسه، فلا بد من استطابة نفس المجاهد الذي قتل المشرك أولا، فإذا وافق على ترك سلبه لغيره فذاك شأنه، وإلا فيرد إليه حقه في السلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق» أبو بكر، ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السلب لأبي قتادة؛ لعلمه بالبينة أنه القاتل.
ثم أخبر أبو قتادة رضي الله عنه أنه باع سلبه فاشترى بثمنه بستانا في بني سلمة، وهم بطن من الأنصار، وأخبر أبو قتادة أن هذا البستان كان أول مال يقتنيه أو يشتريه في الإسلام
وفي الحديث: بيان فضيلة أبي بكر رضي الله عنه، حيث أفتى في حضور النبي صلى الله عليه وسلم وأقر النبي صلى الله عليه وسلم حكمه ورضي به
وفيه: منقبة ظاهرة لأبي قتادة رضي الله عنه؛ فإن أبا بكر سماه أسدا من أسد الله تعالى يقاتل عن الله ورسوله، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: أن القاتل أحق بسلب من قتله
وفيه: أن السلب لا يخمس، وأنه يجعل للقاتل قبل أن تقسم الغنيمة