باب الأذان بعد ذهاب الوقت
بطاقات دعوية
عن أبي قَتادةَ قالَ: سرْنا معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليلةً، فقالَ بعضُ القومِ: لوْ عرَّستَ بنا يا رسولَ اللهِ! قالَ: "أخافُ أنْ تناموا عنِ الصلاةِ"، قالَ بلال: أنا أُوقظُكم، فاضطجَعوا، وأَسنَد بلالٌ ظهرَه إلى راحلَته، فغلَبتْه عيْناه فنامَ، فاستيقظَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقد طلَع حاجبُ الشمسِ، فقالَ: "يا بلالُ أينَ ما قلتَ؟ ". قالَ: ما أُلقيَتْ عليَّ نوْمةٌ مثْلُها قطُّ، قالَ:
" إن اللهَ قَبضَ أرواحَكم حينَ شاءَ، ورَدَّها عليكم حينَ شاءَ، يا بلالُ! قُم فأذِّنْ بالناسِ بالصلاةِ"، فتَوضَّأَ (وفي روايةٍ: فقَضَوْا حوائجهُم وتوضؤا إلى أن طَلعَتِ الشمسُ)، فلمَّا ارتفعَتِ الشمسُ وابياضَّتْ قامَ فصلَّى.
الصَّلاةُ أعظمُ أركانِ الإسلامِ العَمليَّةِ بعدَ الشهادَتينِ، ولها أهمِّيَّتُها الخاصَّةُ في الشَّرعِ؛ وقدْ جعَل اللهُ تعالى لها أوقاتًا معلومةً تُؤدَّى فيها، ومَنْ فاتَه الوقتُ فعليه أنْ يَقْضيَها ولا يَترُكَها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ أبو قَتادةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم كانوا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فقالوا له: لو عرَّسْتَ بنا يا رسولَ الله، أي: لو نزلْتَ بنا آخِرَ اللَّيْلِ؛ لِنستريحَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أخافُ أنْ تناموا عَنِ الصَّلاةِ»، والمُرادُ بها صلاةُ الفَجرِ، وهذا إشارةٌ إلى أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوَدُّ مُتابعةَ السَّيرِ إلى وقتِ الفَجرِ، وهذا مِن حِرصِه على الصَّلاةِ وتقديمِها على النَّومِ والرَّاحةِ، فقال بلالٌ مقترِحًا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنا أُوقظُكم» أي: أنَّه رَضيَ اللهُ عنه سيَبْقى مستيقظًا حتَّى يَدخُلَ وقْتُ الفَجرِ لِيُوقِظَهم، فاضْطَجَعوا وناموا، وهو كنايةٌ عن موافَقةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لبلالٍ، أو قال لهم بلالٌ: فاضْطَجِعوا، وأسنَدَ بلالٌ ظَهرَه إلى راحلتِه فنامَ هو الآخَرُ، فاستيقظَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْ طلعَ حاجبُ الشَّمسِ، وهو طَرَفُها الأَعْلى، وسُمِّيَ بذلك؛ لِأنَّه أوَّلُ ما يظهرُ منها، وهو كِنايةٌ عن غفلتِهم جميعًا بالنَّومِ عن صلاةِ الفَجرِ حتَّى خرَج وقتُا، فقال لِبلالٍ مُستنكِرًا: أينَ ما قلْتَ؟! يعني: أينَ قولُك: إنَّكَ سُتوقِظُنا عندَ الصَّلاةِ؟! فقال بلالٌ رَضيَ اللهُ عنه: ما أُلْقِيَتْ علَيَّ نَوْمةٌ مِثلُها قَطُّ، يعني: لم أَنَمْ مِثلَ هذه النَّومةِ في هذا الوقتِ قبْلَ ذلك، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «إنَّ اللهَ قَبضَ أرواحَكُم حينَ شاءَ، وردَّهَا عليكم حينَ شاءَ»، وهو مِصْداقُ قولِ الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]، يعني: قبضَهَا عندَ النَّومِ، وردَّها عندَ اليَقَظةِ.ثُمَّ أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلالًا أنْ يُؤذِّنَ بالصَّلاةِ، وتوضَّأَ، ثُمَّ قام فصلَّى بالنَّاسِ الصُّبحَ، وكان ذلك عندَ ارتفاعِ الشَّمسِ وصفائِها، وفي رِوايةِ مسلمٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُصَلِّ في الموضعِ الذي غفَلوا فيه عن الصَّلاةِ، بل ركِبوا، ثمَّ سارُوا قليلًا، ثمَّ نزَلوا، فتوضَّأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصلَّى الصُّبحَ قَضاءً.
وفي الحَديثِ: بيانُ بعضِ هدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا نامَ أو فاتتْه صَلاةٌ.
وفيه: مشروعيَّةُ الأذانِ وصَلاةِ الجَماعةِ للفائِتةِ.