باب الأمن وذهاب الروع في المنام

بطاقات دعوية

باب الأمن وذهاب الروع في المنام
باب الأمن وذهاب الروع في المنام

 عن ابن عمر قال: إن رجالا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقصونها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن، وبيتى المسجد قبل أن أنكح، (وفي رواية عنه: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - 1/ 114)، فقلت فى نفسى: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء، (وفي طريق: فتمنيت أن أري رؤيا فأقصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 2/ 42)، فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم إن كنت تعلم فى خيرا فأرنى رؤيا، فبينا أنا كذلك، إذ جاءنى ملكان (وفي رواية: رأيت علي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن بيدي قطعة إستبرق (وفي أخري: سرقة من حرير 8/ 76)، فكأني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت [بي] إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني 2/ 50)، فى يد كل واحد منهما مقمعة (12) من حديد، يقبلا بى إلى جهنم، وأنا بينهما أدعو الله: اللهم أعوذ بك من جهنم، ثم أرانى لقينى ملك فى يده مقمعة من حديد فقال: [خليا عنه]، لن تراع، نعم الرجل أنت؛ لو تكثر الصلاة [من الليل]، فانطلقوا بى حتى وقفوا على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطى البئر، له قرون كقرن البئر (13)، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل، رءوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالا من قريش، [فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار]، فانصرفوا بى عن ذات اليمين، فـ[ـلما أصبحت] قصصتها على حفصة، فقصتها حفصة (وفي رواية: فقصت حفصة إحدى رؤياي) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن عبد الله رجل صالح"، (وفي رواية: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"، وكانوا لا يزالون يقصون على النبي - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا أنها في الليلة السابعة، (وفي طريق: أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر. وأن أناسا أروها في 8/ 70) العشر الأواخر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أرى رؤياكم قد تواطت في العشر الأواخر. فمن كان متحريها فليتحرها من العشر (وفي الأخرى: في السبع) الأواخر").
فقال نافع: لم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة، (وفي الطريق الأخرى: فكان [عبد الله] بعد لا ينام من الليل إلا قليلا).

الرُّؤيا الصَّادقةُ جُزءٌ مِن ستَّةٍ وأربعينَ جُزءًا مِن النُّبوَّةِ، كما أخبَرَ بذلك النبيُّ عليه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الرَّجُلَ في زمَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا رَأى رُؤيا -وهي ما يَراهُ الرجُلُ في مَنامِه- قَصَّها على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه بها وبيَّنَها له؛ رجاءَ أنْ يُعبِّرَها ويُفسِّرَها له، فتَمنَّى ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنْ يَرى رُؤيا ليُخبِرَ بها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيُفسِّرَها له فيَستفيدُ في دِينِه ودُنياهُ، فلمَّا نام عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، رَأى أنَّ ملَكَينِ أخَذاهُ فذهَبا به إلى النَّارِ، فإذا هي مَطْويَّةٌ طَيَّ البئرِ، أي: مَبنيَّةُ الجوانبِ، والبئرُ إذا لم تكُنْ مَبنيَّةَ الجوانبِ تُسمَّى قَليبًا، ورَأى لها قَرْنينِ، وهما المَنارتانِ عن جانبيِ البِئرِ اللَّتانِ تُجعَلُ عليها الخشَبةُ الَّتي تُعلَّقُ عليها البَكَرةُ، ورَأى عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما في النَّارِ ناسًا يَعرِفُهم، ولم يُصرِّحِ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بأسمائِهم مع أنَّه قدْ عرَفَهم؛ أدبًا مِنه للسَّترِ عليهِم أو نَحوِه، فلمَّا رأَى ذلك ظلَّ يَقولُ: أعوذُ باللهِ مِن النَّارِ! فلَقِيَه ملَكٌ آخَرُ فقال له: لم تُرَعْ، أي: لم تَخَفْ؛ فلا رَوْعَ عليك ولا ضرَرَ ولا فزَعَ، وهذا طَمأنةٌ له رَضيَ اللهُ عنه، فقصَّ ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما هذه الرُّؤيا على أُختِه حَفْصةَ رَضيَ اللهُ عنها -وهي إحْدَى زَوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهذا مِن استحيائِه مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يقُصَّها عليه بنفْسِه، فقصَّتِ حَفْصةُ رَضيَ اللهُ عنها الرُّؤيا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: «نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل»! يعني: إنَّ عبدَ اللهِ رجُلٌ صالحٌ لو كان يُصلِّي مِن اللَّيلِ؛ ففي هذا حثٌّ له أنْ يَحرِصَ على قِيامِ اللَّيلِ، فكان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بعْدَ ذلك لا يَنامُ في اللَّيلِ إلَّا قَليلًا.
قيل: إنَّما فسَّرَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الرُّؤيا بما هو مَمدوحٌ؛ لأنَّه عُرِضَ على النارِ ولم يَقَعْ فيها، بلْ عُوفِيَ منها، وقيل له: لا رَوعَ عليك؛ وذلك لصَلاحِه، إنَّما ذُكِّرتَ بها فقطْ، ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نظَرَ في أحوالِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه، فلم يَرَ شَيئًا يَغفُلُ عنه مِن الفَرائضِ فيُذكَّرَ بالنارِ، وعَلِمَ مَبيتَه في المسجدِ، وأنَّه لا يُقيمُ اللَّيلَ، فعَبَرَ الرُّؤيا بذلك، ونبَّهُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنَّ قِيامَ اللَّيلِ ممَّا يَتَّقي به النارَ.
وفي الحديثِ: فضْلُ قِيامِ اللَّيلِ، وأنَّه يُنجِّي مِن النارِ.
وفيه: فَضيلةُ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وثَباتُه على فِعلِ ما أرْشَدَه إليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: تَمنِّي الخَيرِ والعِلمِ والحِرصُ عليه، وتمنِّي الرُّؤيا الصَّالحةِ؛ ليَعرِفَ صاحبُها ما له عندَ اللهِ؛ فالرُّؤيا الصالحةُ تدلُّ على خَيرِ رائِيها.